نحتاج الى ثورة حقيقية لا بيضاء على الورق


الحديث عن العاصفة الثلجية بأسلوب التأنيب و القاء اللوم قد لا يكون مجدياً, لكنه بلا شك يشكل فرصة مهمة لإعادة النظر للامور بصورة جدية بعيدة عن التنميق و التجميل.

هناك أزمة حقيقية و لابد من الاعتراف بها, أزمة دولة مركبة و معمقة, تبدأ من شكل ادارة الأزمة و دور المؤسسات الى فقدان الدولة لقدرتها على التواصل و مخاطبة شعبها بلغة حضارية و مقنعة تنتمي للواقع الجديد الذي نعيش.

الحقيقة ان كل التوقعات كانت تشير بوضوح الى حالة "الهزال الاداري" التي تمر بها أجهزة الدولة مجتمعة, حيث لم يكن يحتاج الامر للكثير من التحليل للوصول الى هذه الخلاصات في ظل الحالة الراهنة من التنفيعات و الواسطات او شبكة المسؤولين المترابطة اما بالنسب و المصاهرة او بالمصلحة و الشراكة التجارية. لهذا بات لمن الحلم ان يشهد الاردنيون حالة حقيقية من المحاسبة و المسائلة, كما انه لا يمكن لمسئول مذنب ان يدفع ثمن تقصيره في الأردن, فالمسئول الفاشل يكافئ و ينقل من كان الى آخر. عدة معطيات كانت تشير اللى النتائج السلبية الناتجة عن التعاطي مع امور ادارة الدولة بهذه الطريقة. و لعلي أذكر ان حادثة سرقة اسئلة التوجيهي الأولى كانت بالنسبة لي و للكثيرين معيار قادم لشكل الانهيار المتطور و الذي أخذ شكل كرة الثلج المتدحرجة. فمنذ اول لحظة ظهرت قضية تسريب اسئلة التوجيهي ظهر الامتحان الحقيقي امام الدولة, اما ان تتعامل بطريقة تنهي الأزمة من جذورها او تتامل بطريقة تكرس فكرة الانهيار, الدولة ام الشخص؟ هناك كانت الغلبة للشخص على حساب الدولة. فذهب رئيس الوزراء متبجحاً انذاك ليقول " أجدد ثقتي بالوزير" عندها كان من الطبيعي ان يتنبأ بشكل المشهد القادم, السقوط المستمر و الذي ظهرت تجلياته بوضوح في كل مرافق الدولة السياسية والخدماتية.

لسنا في صدد جلد الذات و القاء اللوم على الآخر, المسألة كانت واضحة منذ البداية, ادوات الدولة قاصرة عن التعامل مع الأزمة, مواقع الطقس العالمية و المحلية اشارت بدقة الى كل ما حدث بالساعة و التفصيل مع هذا كان هناك حالة من النكران. لكن بغض النظر عن طبيعة التعامل الرسمي مع الأزمة, أصبح من الضروري ادراك حجم الخطر الكامن في غياب حالة التضامن المجتمعي, كثير من الحالات الانتهازية و الانانية تجلت مع ظهور و تعمق الأزمة. ما نحتاجه اليوم هو اعادة انتاج قضية توحد الاردنيين و تعيد بناء فكرة التضامن المجتمعي و الا كان القادم أسوء. اليوم هي عاصفة ثلجية بمعنى ليس هناك عدو خارجي او داخلي و كذلك ليس هناك مجال للاتهام و التخوين, لكن غداً في اقليم مضطرب قد يختلف شكل الأزمة, لهذا ان لم تتجه بوصلة الاردنيين نحو قضية توحدهم و تشعرهم بالتضامن و القرب, بالأخوة و المساواة فان الغد يحمل كثير من الاخطار التي قد تتجلى في صورة متعددة في داخل المجتمع.

اليوم تملك الدولة فرصة اعادة انتاجها عبر تطبيق استراتيجية التصرف السريع و اشعار الجميع ان الأمر لا يمكن ان يمر دون ان ينال المذنب و المخطئ و حتى المقصر عقابهم. اضفاء الشعور ان الدول حية و تنتصر لمواطنيها, يحتاج الى نوع من انواع الثورة الداخلية النابعة من داخل النظام, ليست ثورة بيضاء فنحن لا نتحدث هنا عن ثورة مصطلحات و مبادرات على الورق فقط بينما يحمل الواقع كل انواع التناقضات, نحن نتحدث هنا عن ثورة حقيقية واقعية تلمس نتائجها و تعيد الامور الى نصابها و تضع معايير جديدة لشكل المسئول في الاردن و نمطية و الية العمل و الانجاز.

المراجعة الشاملة لسياسات الدولة يجب ان تطيح أيضاً بكل من ضلل و اعتقد بان الامور ستبقى تسير على ما هي عليه, هذا النموذج من المسئولين هو جزء أساسي من المشكلة و يجب الخلاص منه اليوم في اطار هذه المراجعات الوطنية. فمن الطبيعي ان يسأل المرء نفسه – ان بقيت الامور دون عمليات جراحية حيقيقة من استئصال و زراعة - ان كانت عاصفة ثلجية ستتحول الى كارثة و تحول أجزاء كبيرة من الاردن الى مناطق منكوبة فهذا يعني ان مستقبل الدول قد يكون فعلاً في خطر ان هبت ثلاث عواصف متتالية (لا قدر الله)!!

من هنا فان تثمين دور المؤسسة العسكرية هو شيء مهم و قد رصدت شخصياً في الايام الماضية حجم الترحيب و الارتياح لدور المؤسسة العسكرية الا اننا نتحدث ايضاً عن دور دولة مدنية فشلت اجهزتها في اختبار اقل من عادي يقع في دائرة مسؤولياتها المباشرة, و لا بمكن ان نعوض فشل الدولة المدنية بالحدي عن توسيع دور المؤسسة العسكرية, بل يجب الفصل و تعزيز دور المؤسسة العسكرية في قطاعها و هي التي انخرطت بكامل اجهزتها في ادارة ازمة على حدودنا المختلفة لمدة تتجاوز الثلاث سنوات. التفريق بالأدوار مهم, و التقصير بأداء المهمة لا يستدعي العقاب فقط بل يستدعي التوقف ملياً عند كل حيثيات و جزئيات المشهد بداية من شكل المسئول و قدرته على الادارة الى شكل المؤسسات و طبيعة ادوارها.



تعليقات القراء

فسفوووس
بدك تعيد تشكيل الاردن من اول وجديد،

اول شيء كثير من الوجوه السياسيه القديمه عليها ان تتنحى جانبا، وتترك الفرصه لجيل الشباب. بدنا وجوه جديده فكرها جديد ومتجدد، لا نريد تلك الوجوه القديمه .موديلهم انتهى.

ثانيا شيء، اصدار قانون يعاقب على الواسطه والعنصريه، حتى لا يوضع موظف غير كفؤ نهائيا. ويمنع التكتل العشائري والشللي في المرافق الحكوميه ، بل يجب ان يكون خليط متناسق وعملي.

المحاسبه عقب انتهاء الازمه، فلا يجب ان تمر اليكسا مرور الكرام بعدما فشلت الحكومه والاداره المدنيه في التعاطي معها.. ماذا لو كان الامر اكبر مذ اليكسا؟


زمن الشعارات ولى، والان زمن العمل والعمل فقط. ارني عملك اقل لك مدى ولاءك للبلد.

لابد من تغيير شكل البلد لما هو افضل حقيقه.



تغيير جذري على هندسه الطرق والكهرباء فيما يخص هذين الامرين. لانها من اسوء المواصفات في المنطقه ويلحقهم التلفون. كله بحاجه الى تحديث وتطوير.
16-12-2013 06:51 PM
حسين الشقيرات
عزيزي الكاتب لقد وضعت يدك على الجرح النازف منذ زمن بعيد حتى اصيب هذا الجرح بالإلتهاب ووجب استئصاله والراحة من آلامه وأوجاعه. وأضيف إلى ما تفضلت به أن مأساتنا الحقيقية في العالم العربي أجمع في غياب المساءلة واقتران تلك المساءلة مع الثواب للمصيب والعقاب للمخطيء والمقصّر ذلك الغياب الذي قادنا جميعا لأن يتوَسّد الأمر لغير أهله فوصل الغث للمواقع التي لا تليق به واستنسر البغاث ببلدي وأرضي ... تحياتي لك ولموقع جراسا
16-12-2013 07:04 PM
بريطم
والله لا ثوره بيضاء ولا كحلي ولا نيلي تغير من هن الوضع الذي نعيشه بلد الفساد متغلغل منذ زمن بعيد في كل مفاصلها كالسوس ياكلها المسئولين لا يخافون الله السرقات والنهب بالمال العام حدث ولا حرج بلد يوجد فيها كافه الاطياف والملل العالميه اردني من اصل شامي واصل سوري ولبناني وارمني وتركي ومصر ي وعراقي وسعودي وتايلندي وجورجي ومغربي كيف سيكون قلوبهم على بعض ماذا سيجمعهم شعب ليس بالسهل السيطره عليه كل مسئول هممه اقاربه ونسايبه وحبايبه ومصالحه الشخصيه والاردن اخر هم الجميع كيف ودك نصير مثل البشر شعب شاطر بشراء الخبز وتكديسه ووووو
16-12-2013 07:08 PM
داليا
كل الاحترام للكاتب الراءع انا من متابعين تحليلاتك وتعجبني واقدر فيك البساطه في الطرح ،،والبساطه في الحل ،،، كتر الله من امثاللك يا دكتور ،،وصدقني في كتير من ذوي الاختصاص ببلدنا الخير ولكن العجايز مش قابليين ينزاحوا
16-12-2013 07:08 PM
الى الكاتب اللمحترم: من مغترب متابع.
الى الكاتب اللمحترم: من اين تبداء.
1) مجلب االنواب الذي هو المجلس التشريعي ينجح النئب في الرشاوي وشراء الذمم.
2) عندما ينجح النائب يبداء كيل لاتهمت للحكومه ويتهمها وينسى ما عمله ذلك النائب من تزوير.

3) الشلليه التي يستغله بعض النواب بالدعم من اتباعهم لكي يستقوو على الحكومه ليكونو فوق القانون.


16-12-2013 07:41 PM
DR ENG RIDA ALSHBOUL
ان الامم الحية تولد الحلول العلمية للنهوض من كبوتها
ان الشعار الذي لا يجب ان لا نحيد عنه



دولة الرفاه
و نحن نستحق السير بخطى واثقة
للحاق بالدول المتقدمة
ونملك المشاريع العلمية التطبيقية للتطبيق فورا
16-12-2013 07:56 PM
DR ENG RIDA ALSHBOUL
اتذكر قبل 4 عقود كيف كانت مطارات
و قطارات الاتحاد السوفياتي
تستوعب الاف مؤلفة من المسافرين في حال تأخر الرحلات
وكم كنا ننام في المطارات ايام و كأننا
بفندق
و لا انقطع غاز و لا كهرباء و لا طعام
و لا دفئ

16-12-2013 08:00 PM
DR ENG RIDA ALSHBOUL
جميع طلاب المدارس و الجامعات دورات
انقاذ و اسناد و قيادةاليات ثقيلة
و الطالبات تمريض و قبالة
16-12-2013 08:02 PM
DR ENG RIDA ALSHBOUL
اليات ثقيلة من سيبيريا لا تتأثر
بالثلوج مهما كثرت
16-12-2013 08:10 PM
DR ENG RIDA ALSHBOUL
دولة الرئيس
ثلجة عادية جدا و ليست ضخمة كما تصور
بحاجة لادارة هندسية على غرار ابحاث الفضاء
القدرة على تحمل تعطل الاجهزة
16-12-2013 08:18 PM
الفساد
السبب في كل ما حصل خلال الايام(الفساد) المتمرس خلال 10 سنوات وبازدياد كل يوم.
رد بواسطة صقر صخر
المواطن هوا السبب لئنه اختار النائب ورئيس البلديه ولو المواطن اختار الصح لكان حالنا احسن من هيك لاكن المواطن صوب على الهدف الخطئ ولازم يتحمل لانسان التي اختاره
16-12-2013 09:58 PM
مهندس سعيد مناع
د.عامر
المشكله كما ذكرت ليس في حدوث الازمات ولكن في ادارة الازمات وهذا ما يفتقر له الاردن والعديد من الدول العربيه والسبب الرئيسي كما تفضلت د.عامر في ان الأشخاص القائمين على ادارة الازمات اما تم تعيينهم بالواسطه او بالرشوه وغيرها من مثل هذه الاسباب
مع تحياتي
17-12-2013 07:11 PM
ابو الفشك
الشعب بدو مطر وبدعي ربنا ما يجعلنا من القانطين
وبصلي استسقاء
ولما بيجي الخير بنهبل وبهوش اي بلل او ضرر - الشتا ضيق لو انه فرج - هيك قالو جدادنا
17-12-2013 07:58 PM
مراد
سلمت يدك يا دكتور فهذا هو أمراضنا وتحتاج الى العلاج .
لا يوجد لدينا أي نظره مستقبليه لما نريد أن يكون عليه وطننا الأردن - الأدارات كلها ترقيع بترقيع - واسطه ومحسوبيه وشلليه لحد القرف .
مواطن اناني وأنتهازي وكل يا نفسي , لكن اللوم يقع على الجانب الرسمي وهو الذي بيده السلطه والتربيه والتعليم ..الخ أي مثل المدير الفني لكرة القدم فهو الذي يضع الهدف والخطط والتدريب والتكتيك , لكن لكي ينجح فلا واسطه ولا مسك خواطر
17-12-2013 11:32 PM
مراد
تخيلوا توقيت النسور لو رفع قبل الثلجه - مش كان أحسن . عموما سنه ( فصلين شتاء ) من العذاب وأخيرا هانت
17-12-2013 11:34 PM
غطيني يا صفية
مصيبتنا في العشائرية والقبلية،عندما يسرق او يقصر المسؤول يحتمي بالقبيلة والعشيرة.لاخلاص للاردن الا بالمساواة بين الناس في الثواب والعقاب.
19-12-2013 09:33 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات