في خدمة العهدين


قدم دولة الدكتور فايز الطراونة مؤلفا رفيعا تضمن توثيقا سياسيا لمراحل عمله في خدمة العهدين: عهد المغفور له بإذن الله جلالة الملك حسين وعهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. الكتاب الذي يقع في خمسمائة وست وعشرين صفحة موزعة على ستة عشر فصلا، شكل شهادة سياسي من الطراز الثقيل على أحداث حساسة ومفصلية كان شاهد عيان عليها. تفاصيل مهمة ومثيرة لم تسمع أو تكتب من قبل حول احداث سياسية مركزية تضمنها الكتاب منها: الحروب مع اسرائيل، وتطور العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وثورة ايران الاسلامية، ومراحل تطور معاهدات السلام العربية من كامب ديفيد مصر مرورا بأوسلو فمعاهدة وادي عربة بالإضافة لتطور ملف السلام السوري اللبناني الاسرائيلي. الكتاب أرخ لجنازة العصر وما قبلها، وانتقال ولاية العهد بتفاصيلها، واسلوب القيادة للملك عبدالله الثاني، وأهم محطات وتحديات الحقبة الهاشمية الرابعة من اقتحامات اسرائيلية للحرم الشريف والانتفاضة الفلسطينية على إثرها، واحداث ايلول التي غيرت الاجندة العالمية، والحرب على العراق، والنزاع الطويل في سورية، وأحداث وتحديات الربيع العربي داخليا واقليميا وحكمة التعامل معها بالاصلاح السياسي والدستوري الذي استجاب لها. الكتاب وثق لأهم التحديات الاقتصادية الجسيمة والقرارات الصعبة التي كان لا بد من اتخاذها، ورحلات الأردن مع برامج الإصلاح المختلفة، وقد كان الرئيس الطراونة مشتبكا مع هذه التحديات منذ أن كان مستشارا اقتصاديا برئاسة الوزراء ووزيرا للتموين منذ نهاية الثمانينيات.

الكتاب جمع بين الشخصي والتوثيقي ما يجعله روائيا وتأريخيا نافعا لجمهور الباحثين والمؤرخين وايضا القارئين الآخرين، وقد صيغ بلغة خبيرة سلسة، غاية في الدقة من استخدام للمصطلح ووصف الاحداث، وهو تارة يبكي متصفحه لاسيما بالوصف البليغ والمؤثر لجنازة العصر ورحيل الحسين، وتارة يضحك من يقرأه عند الحديث عن سلوكيات القذافي ومرافقيه إبان قمة عمان 2001. النبرة الطاغية في الكتاب بكافة فصوله كانت مليئة بمعاني الفخر بالوطن والاعتزاز به والايمان بانتصاره وحتمية تقدمه وتفوقه، وكانت ثنايا التحليل والتوثيق تشير دوما لمنظومة القيم الأردنية من عزيمة وعدل وموضوعية ووسطية واحترام التعدد ودفء التعامل واخلاق التخاصم وفروسية المواجهة.

ملكان ليسا كباقي الملوك؛ أسسا وبنيا بلدا رائدا بشعبه ومواقفه وقيمه وحكمته ورجاحة آراء واتزان نخبه، بلد راهن عديدون على ضعفه وقلة موارده فتلاشوا هم وبقي الأردن صلبا منيعا مؤثرا. من هنا جاءت تسمية الكتاب “في خدمة العهدين” وليس الملكين، وقد غطى بشمولية كافة الأحداث والمنعطفات الرئيسة التي تركت آثارها على ما وصل له الأردن من تقدم، وأضاءت بدقة على حكمة قيادة المراحل الصعبة وعزيمة المواجهة باقتدار.

رجال الدولة والمسؤولون مدعوون لتقديم شهاداتهم عن مراحل عملهم في الخدمة العامة كما فعل دولة الدكتور الطراونة، فذاك ليس ملكهم وحدهم بل حقق للأجيال أن تعرف وتتعلم وتفتخر، وهو واجب وطني على كل من قام بالمشاركة ببناء البلد وخدمته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات