شئنا ام ابينا فنحن ملزمون بالتعامل مع القضاء العشائري والقضاة العشائريين والمخاتير حتى ونحن في القرن الواحد والعشرين..ورغم ان الكتابة في هذا الموضوع محفوفة بالمخاطر لكثرة المنزلقات والمنعطفات الخطرة الا انني آليت على نفسي ان اكتب بعيدا عن الاشارة الى جهة او شخصية ما.
لقد كان تعيين القاضي العشائري والذي هو نقطة الارتكاز ومحور القضاء العشائري يحكم بقانون صارم وحازم .. فالقاضي العشائري منذ تأسيس امارة شرق الاردن عام 1921م لا بد وان يحصل على وثيقة موقعة حسب الاصول من ابناء عشيرته وقضاة متميزون يشهدون له بالقدرة على ممارسة هذه المهمة ترفع بالطرق الرسمية الى جلالة الملك للموافقة عليها، وكان لا بد ان يتصف القاضي العشائري بالصدق والامانة والشهامة والخلق الحسن منذ صغره اضافة الى خبرة يكتسبها من مجالس القضاء ومجالسة القضاة ومن الاجتماعات العشائرية..
ومع ثقتنا بعدد كبير من القضاة العشائريين اصحاب الشهرة والحكمة والامكانات والقدرات المتميزة، الا ان هناك اخرين قفزوا الى مثل هذه المواقع دون معرفة باصول القضاء العشائري ودون خبرة سابقة تذكر او تزكية من قضاة معتبرين او حتى من افراد عشائرهم..ولقد قرأت مقالا حول الجلوة العشائرية ذكر فيه كاتبه د غازي الذنيبات انه عندما كان مديرا لشرطة الزرقاء قدم اليه شخص ما- معرفا بنفسه- بطاقة تعريف كتب عليها الاسم وتحته جاهات.. عطوات... صلحات – ويتبادر للذهن هنا انه لا بأس بعد هذا التعريف ان يتبعه عبارات خصومات خاصة او تنزيلات موسمية..- لقد كاد هذا الشيخ او الشخص حسبما ذكر المقال ان يدمر فخذ عشيرة باكمله وبمبادرة شخصية تحت مسمى الصلح العشائري.
كثير من الناس لا يعرف اصول القضاء العشائري ولا يعرف الفرق بين قاضي العشائر والمختار؛ فالقاضي العشائري يختلف تماما عن المختار الذي لا يعدو دوره تقديم معلومات للسلطات المختصة عن عشيرته كما انه يساعد في تأدية موظفي الحكومة لواجباتهم وجباية الايرادات ونشر الاعلانات التي ترغب الحكومة في نشرها في المنطقة ويحتفظ بخاتم رسمي لختم المستندات التي تتطلب ذلك. فليس كل من يقف امام الناس في جاهة يطلب عروسا هو قاض عشائري كما ان ليس كل من يحمل خاتما رسميا بأنه مختار هو قاض عشائري ايضا.
اننا ملزمون قسرا ودون خيار منا على التعامل مع القضاء العشائري والالتزام بعادات وتقاليد في بعض الاحيان جاهلية تعود للجاهلية الاولى- ما قبل الاسلام - كالجلوة والثأر رغم ان الاسلام جاء بـ )وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ){7}سورة الزمر.. وللاسف فانه وفي بعض المواقف يتصدر لهذه المواضيع من لا يكون بالمستوى المطلوب مما يزيد الوضع سوءا.. ولذلك كثيرا ما نسمع عن عائلات ضاعت حقوقها وتعاني الفقر والحاجة بعد ان توفي رب الأسرة في حادث سير.. وشربت الجاهة قهوتها بعد ان سامح اهل المصاب او من ينوب عنهم بحقوقهم..وغيرها من القصص التي لا تخفى، وتنتشر بين الكثير.
اذا سلمنا بأن هذا هو واقعنا وبأننا لا بد ان نعيشه كما هو فلا بد ان يعاد تطبيق قانون اختيار القاضي العشائري بالمعايير سابقة الذكر وباسلوب صارم ولا بد من ان يمنع من هب ودب ان يقدم نفسه كقاضي عشائر .. لان هم الوطن والمواطن والمصلحة العامة، وحرمة وكرامة الانسان التي تكون اساس القضاء لا يجيدها الا اصحاب الصفحات البيضاء والتاريخ المشرف والتربية الايمانية ولان استبعاد حظ النفس وهواها لا يقدر عليه الا رجل بمعنى الكلمة وهب وقته ونفسه وماله في سبيل الله. فإلى متى يبقى هذا الصمت الرسمي والتواطئ الجماعي على مثل هذ الامر الخطير.