خطورة مرض الحقد


قال تعالى:(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ،وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ،وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ). صدق الله العظيم . في هذا النص القرآني امتدح الله المؤمنين الذين صفت نفوسهم وطهرت قلوبهم فلم تحمل حقدًا على أحد من المؤمنين. الحقد الذي هو بُغض شديد،ورغبة في الانتقام مضمرة ومخفية في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه. فالحقد هو إضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه. ففي ميدان تعامل الناس مع بعضهم بعضا يتبين أهل النوايا الصالحة الذين يريدون الخير للناس من أهل النوايا الفاسدة أهل الأحقاد الفاسدة الذين لا يريدون إلا الشر والسوء لغيرهم من الناس فأمثال هؤلاء الذين امتلأت قلوبهم بالحقد هذا المرض الاجتماعي الخطير الذي يفتك بالمجتمعات:وهو سوء الظنّ وإضمار الشرّ والضغائن في القلب على الخلائق لأجل العداوة وهو مصدر للعديد من الرذائل مثل الحسد والافتراء والبهتان والغيبة والفساد، يحمل صاحبه على النفاق،قال تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ،وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ). فالأحقاد التي تمتلئ بها قلوب بعضنا على بعض هي نزغ من عمل الشيطان لا يستجيب له إلّا من خفّت أحلامهم وطاشت عقولهم،لأن الحاقد جاهل بربّه وبسننه في هذا الكون، لأنّ للّه حكما قد لا تظهر في التوّ واللحظة، وقد يكون ما ظنّه الحاقد نعمة فاتته وأدركت غيره مجرّد ابتلاء واختبار تجلب على صاحبها من العناء ما لا يطيقه الحاقد الّذي يتمنّاها.وصدق من قال: القلوب صناديق مغلقة،فقلب مملوء خيرا وعلامته الشفقة على جميع المسلمين والاهتمام بما يهمهم،ومعاونتهم على مصالحهم،وقلب مملوء نفاقا فعلامته الحقد والغل والغش والحسد فمع مرور الزمان يظهر ما فيه من غل وحقد،(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ). فالحقد هذا الخلق الدنيء يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في غمّ وحزن،فالحاقد قلق النفس دائما لا يهدأ له بال طالما رأى نعمة اللّه يسعد بها سواه.(إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا).فالحاقد ساقط الهمّة،ضعيف النفس،واهن العزم.ينظر إلى الأمور نظرة قاصرة لا تجاوز شهواته الخاصّة.قال بعض العلماء:ليس أروح للمرء،ولا أطرد لهمومه،ولا أقرّ لعينه من أن يعيش سليم القلب،مبرّأ من وساوس الضغينة،وثوران الأحقاد،إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها،وأحسّ فضل اللّه فيها،وفقر عباده إليها،وإذا رأى أذى يلحق أحدا من خلق اللّه رثى له،ورجا اللّه أن يفرّج كربه ويغفر ذنبه،وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة،راضيا عن اللّه وعن الحياة،مستريح النفس من نزعات الحقد.فإن مرض الحقد حمل ثقيل يُتعب حامله؛إذ تشقى به نفسه،ويفسد به فكره،وينشغل به باله،ويكثر به همه وغمه.فإن الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا،وعلى كل منا أن يحذِّر نفسه عاقبة الانتقام،وأن يعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته،وأنه سبحانه وتعالى بيده الأمر والنهي لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه. ولتعلموا إن الشيطان ربما يعجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنمٍ، ولكن الشيطان وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه وبينه وبين غيره من الناس،فهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب،فإذا اشتعلت استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضرَ الناس ومستقبلهم،وتلتهم فضائلهم،ذلك أن الشر إذا تمكن من الأفئدة (الحاقدة) تنافر ودها وارتد الناس إلى حالٍ من القسوة والعناد،يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.
وصدق من قال:الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله،إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل. مالي وللحقد يُشقيني وأحمله،إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟.سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب،ومركب المجد أحلى لي من الزلل.إن نمتُ نمتُ قرير العين ناعمها،وإن صحوت فوجه السعد يبتسم لي،وأمتطي لمراقي المجد مركبتي،لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي.مُبرَّأ القلب من حقد يبطئني،أما الحقود ففي بؤس وفي خطل. فليس أفضل للمرء ولا أطرد لهمومه،ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مُبرَّأ من وساوس الضغينة،وثوران الأحقاد،وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضياً عن الله وعن الحياة،مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى.يصدق فيه قول الله تعالى:(يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا،فسلم من كل آفة تبعده عن الله،وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله.فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي جنة يوم المعاد يوم القيامة.فينبغي للمسلم أن يتسامى عن الأخلاق الدنيئة،وعلى رأسها الغل والحقد،وأن يغلب عليه العفو والصفح،وقد أدَّب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:(ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).قال ابن عباس رضي الله عنه:أمر الله تعالى نبيه في هذا الآية بالصبر عند الغضب،والحلم عند الجهل،والعفو عند الإساءة،فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا،وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهَّاب.ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات