حكمة أبوعويمر


عاد عقلة من مدرسته البعيدة كباقي الأيام ، ولكنّ الوضع كان مختلفا عمّا يراه في العادة ، فقد رأى حيّة " راسها كبير " تشرب من ماء وضع في حقلهم ، و كان في الحقل مزرعة للدّجاج يمدّهم بالرّاحة والأمان ، حيث مصدر عيشهم ورزقهم المقدّر من عند ربّ السّماء .

من الطبيعي في هذه الحالة أن يحتوي الحقل على مستودع لحفظ الأعلاف ، ولكنّ ثمّة فئران في الحقل يتسلّلون إلى ذات المستودع ليعبثوا بما ليس لهم حقّ فيه ، وليخرّبوا ما يتوّجب المحافظة عليه ، فيفسدوا مأوى غيرهم ، ويستبيحوا ما حرّم عليهم على مدى الدّهر والسّنين .

على مقربة من عقلة كان يجلس" الحج أبوعويمير " ؛ الذّي عاش حياة طويلة مليئة بالمشاقّ والصّعاب ، وتحدّى ظروفا عصيبة مرّ بها في الحياة ، فقال أبوعويمر : " شو مالك " يا ولدي ؟ ألا يفترض بك الرّشاد والعقل السّديد ، فلماذا تحمل هذه العصا وتخرج من البيت مسرعا كالمجنون ؟ فقال عقلة على عجل : إنّ أفعى كبيرة يا والدي رأيتها تشرب من الماء ، ويجب عليّ الخلاص منها في أسرع وقت ، ولهذا أحمل هذه العصا القوية التي سأحصل بها على ما أريد ، وأحقق بها ذاتي ، وأفعل حلمي بقتلها وأمثالها ، كيف سمحت لنفسها القدوم إلى حقلنا والعبث بممتلكاتنا ؟!

صمت أبوعويمر لبرهة ، وهو يهزّ رأسه ، وكأنّه يريد أن يقول شيئا مجلجلا لولده ، فقال : يا بني ، أتركها وشأنها ، إنّها جارتنا منذ القدم ، ولو كنت تدرك ما تفعله لنا ، لبحثت عنها وقدّمت لها الماء والشّراب شكرا وعرفانا لصنيعها ومعروفها .

في لحظة استغراب وذهول ، شعر عقلة بأنّ هناك مغزى مما يريد والده ، فقال : يا أبي ، إنّها أفعى كبيرة ، تشرب الماء،ولربما تتسبب بالأذى لنا على مرّ الزّمان!

أبوعويمر يبتسم في هذه اللحظات ويقول : يا بني ، افهم ما أريد أن أقول ، لن تؤذينا هذه الأفعى ، وبنفس الوقت تحمينا ، فلتشرب الماء ولنقدّم لها أيضا الطّعام ، أرأيت الأطنان من الأعلاف التي توجد في مستودعنا ، ماذا سيحصل لها إذا لم تأكل الأفعى تلك الجرذان الهائمة الشّاردة ، والتي تستفحل عندما يغيب الرّقيب ، والتي تبتعد عن الحقّ عند فقدان الحسيب .

تأتي بلقيس صاحبة الحكمة ، لتقول : يا عويمر ، ما يريد أن يقوله والدي مفاده " عدوّ عدوّك صديقك " ، فكن صديقا مع الجميع ، وابحث عن عدوّك الحقيقي ، واقض عليه ، حتى لو استعنت بآخر لا ترغبه ، فبما أنّه يحقّق لك ما تصبو إليه ، لا ريب في قليل من التّعاون بينكما .

يأتي عقلة الآن ، ويبتسم بفخر لما سمع من كلمات تعيد ترتيب أفكاره ، وتعمل على صياغة حساباته ، لينتقل ويقول : كلّ يفكّر من زاوية محددة ، فليست السّلبية بموجودة ، فلنحوّلها إلى إيجابية محمودة .

ويأتي حكيما ناصحا الجميع ويقول : عندما سئلت نملة عن الأسد كانت تقول بأنّ الأسد حيوان لطيف ، أحتمي عند أذنيه وهو لا يكترث بوجودي ، ولا يقوم بإيذائي وإزعاجي . وبالمقابل عندما تمّ سؤالها عن الدّجاجة ذمّتها واحتقرتها وقالت عنها حيوان مفترس يسعى إلى نشر الرّعب والذّعر في حقول النّمل الضّعيف ، فهو بائس لا يقوى أن يدافع عن نفسه أمام الدّجاج المتبختر .

فانظر أيّها القارئ إلى الحياة من وجهة نظرك الإيجابية لمجمل الأحداث والوقائع ، ولا تنظر بما يريد الآخرين أن تنظر إليه ، فأنت من تقود نفسك إلى ما تريد ، ولا سلبية فكلّ الأمور إيجابية ، ولكنّها بحاجة إلى تدبّر وتفكير .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات