ساعة صفا .. ؟


ربما لايجد المرء في نهاية يومه أكثر من ذكرى بسيطة لأحداث هذا اليوم الفعلية والمجربة على أرض واقع الأثنى عشر ساعة من النهار ، وفي المساء وبعد صلاة العشاء وإنتهاء الزوار ومطالبات الأولاد اليومية من درس هنا أو هناك وهموم دراستهم تجد نفسك جالس أمام شاشة مسطحة تلتصق بجدار صالتك أو شاشة داخل صندوق تأكل من الحائط نصفه وأمامك جهاز ريموت كنترول وفنجان قهوة وبقايا وجبة العشاء وربما زوجتك إذ لم تكن ما تزال في المطبخ تنهي أخر واجباتها اليومية من غسيل لأطباق العشاء أو ترتيب لرفوف مطبخها الذي سوف تعود إليه الفوضى في الصباح مبكرا ً.

وتبدأ في أستقبال الصورة من خلال الشاشة المسطحة أو التي توجد داخل الصندوق والتي تُرسم لك من خلال عيون الأخرين وطريقة نظرهم للحدث أو الموقف وربما يتم التلاعب بها من خلال تنقيات الفوتوشوب ومن باب المزيد من الإثارة للوصول بك إلى حالة من الفوضى الذهنية تنتهي بك بأن تتناول جهاز التحكم وتسارع للخروج من وهم هذه الصورة إلى صورة أخرى يتم من خلالها رسم بلاد بعيدة عنك بأنها جنان الله في الأرض وبها من الماء والخضرة والوجه الحسن الشيء الكثير الذي تفقده في جغرافيا وطنك .

وتأتيك الزوجة وقد حان موعد المسلسل التركي الذي تحرص كل الحرص على متابعته من باب أنهم أتراك واقرب لنا كعرب من الغربيين ، وأن نسائهم ترتدي ملابس كملابسنا وخصوصا إذا ما كان هذا المسلسل يعرض التاريخ التركي قبل سنوات عديدة ، وفي النهاية وبعد تكرار هذا الموقف لأيام تجد نفسك من أشد المتابعين لأحداث هذه المسلسل بعد أن تبرهك جماليات اللقطة وحركة الكاميرا وواقعية المكان والحرفية العالية في صنع الحبكة الدرامية والقدرة على التنقل بين حبكات المسلسل بكل سلاسة ويسر ، وتجد نفسك تبحث عن ما سيحدث لاحقا في قصة المسلسل وأنت تشاهد البحر والرصيف وحركة الناس بالشارع وتنتظر نهاية ربما لاتعجبك أو قد تكون مفاجئة لك .

ورغم الزخم الكبير في عرض الدعايات التي تقطع عنك حبل متابعتك للأحداث إلا أنك تبقى مسمرا أمام التلفزيون محاولا إبقاء أخر اللقطات من المشهد في ذهنك بعد أن تقوم هذه الدعايات برسم عالما أخر يتخطى حدود عقلك من حيث جمالياته ونقاء صورته وسهولة صنع الأشياء به ، وإذا ما شعرت بطول وقت الانتظار ربما تعاود الإمساك بجهاز التحكم لتعود بك يديك إلى الصور الأولى التي هربت منها محاولا فهم شيء بسيط مما يحدث حولك في هذا العالم وتكون جملة الزوجة هي الحسم بأن عليك أن تعود للمحطة الأولى والصورة التي رفضها عقلك وأجبرت على مشاهدتها من منطلق أن المسلسل سوف يأتي بعدها .

وينتهي المسلسل ويترك لك جهاز التحكم عن بعد بعد أن تتنازل عنه الزوجة وتجد نفسك وبدون وعي منك تعود لصورة الموت والدمار والقتل والكثير من الاشخاص الذين يحللون ويقرأون هذا الموت أو الدمار وجميعهم يرتدون بدلات وأصابعهم ناعمة جدا ويمنطقون ويتمنطقون بما يحدث في بلادهم أو غيرها من البلاد ، وتجد نفسك قد أنهكتك الصورة والكلام وتأتيك الزوجة لتأخذك من غفوتك وتجد نفسك مجرد مواطن وقف ذات مساء على رصيف الوطن محاولا فهم ما يجري وقد أتعبه الفهم وغفى على الرصيف واقفا .. ولكن ليس كالاشجار ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات