مكيالين


كان بعض صغار التجار يحتفظون بنوعين من المكاييل ، وان كانا متشابهين في الشكل والحجم الظاهري حتى لا تثير الشك ، الأول سعته أكبر وثقله أكبر يستعمله في حالة الشراء من تجار آخرين أو من الناس ، والثاني سعته أقل وثقله أقل ، يُستعمل عند البيع .

وقد استعمل القرآن الكريم مصطلح " المطفّفون " وأطلقه على هذا النوع من التجار . واعتبر عملهم هذا غش وخداع للناس ، فهم يأخذون أكثر مما يُعطون ، ويقبضون أكثر مما يدفعون . يتم ذلك بأدوات ظاهرها الصدق والأمانة والاستقامة وباطنها الغش والخداع والكذب . ولأن هذا العمل فيه خيانة للأمانة وهدم للثقة ، أعتبر أن من يقوم بذلك يستحق العقاب الشديد بقوله تعالى ( ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون ) . وويل هو عذاب شديد وهلاك ، وقيل هو واد في جهنم .

ولقد كنا نتهم أمريكا والغرب عامّة بأنهم يستعملون مكيالين مختلفين ومعايير مختلّة عندما يكون الأمر يتعلق بالعرب والمسلمين وقضاياهم ، فحقوقهم مهضومة ، وهم المخطئون المعتدون الإرهابيون ، حتى لو كانت قضيتهم عادلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولا يختلف فيها أو عليها أحد ، إلا صاحب هوى مصاب بحول في القيم والفهم وعمى في البصيرة .

فما بال دعاة الحرية وأنصار الشعوب والمقاومة توقفوا عندما تعلّق الأمر بشعب خرج يطالب بحريته وحقه في اختيار حكامه ، بعد أن سكت على الظلم والقهر والتسلّط زمنا طويلا . فتمت مواجهته بقسوة وبطش وتدمير . فوقفوا مع الظالم وضد المظلوم . ما بال هؤلاء القوم يُطالبون الحكام في بلادهم بالحرية والديمقراطية والحياة الأفضل وحقوق الإنسان ويستكثروها على غيرهم . إن الحرية كل لا يتجزّأ ، وهي حق للجميع ، من وافقنا ومن اختلفنا معه في الرأي والفكر ." ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " .

لن أقف عند مواقف إيران وحسن نصر الله والتي كانت صادمة لكثير من الناس خاصّة من كان مبهورا بمواقف سابقة . ولكن يأبى الله إلا أن تتمايز المواقف وتُنتزع الأقنعة وتظهر الأمور على حقيقتها ساطعة . فمن يحب الإسلام ويحب رسول الله وآل بيته الأطهار لا يمكن أن يكون إلا مع الحق وضد الباطل ، مع الحرية والعدل وضد الظلم والتّسلّط . بل أن أول قيمة يهتم الدين باعلاءها وتثبيتها عند الناس هي الحرية وبدايتها حرية الاعتقاد والفكر . فالجميع قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا . وهب أن النظام السوري هو أفضل نظام في العالم وأكثرها مقاومة وممانعة وثورية ، فهل يعطيه هذا الحق في قتل شعبه أو إجبارهم على قبوله .

يا قوم لقد مرّ الهلال بعد الهلال ، وذهبت أعياد وقادم عيد ، وكرام سوريا تدور أعينهم بين السماء والأرض . بحثا عن معين أو منقذ . فحاجات الناس وأوضاعهم ، من هم داخل الوطن أو خارجه ، باتت لا تنتظر جولات الإبراهيمي المكوكية فستكون نتيجتها كسابقاتها ، أو رضى الدب الروسي والتنين الصيني ولعبة المصالح الغربية والتخاذل العربي . فمن لم يمت بالسيف مات بغيره . فهم بحاجة مع الدعاء إلى قليل من القطران وجهود عاجلة تضمن حلا يرتضيه أهلها والبدء بإعادة الأعمار والتأهيل .

كما لا ننسى أننا نمارس نوعا من ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين بيننا . فنحن لا نرضى لأنفسنا ما نرضاه للآخرين . ونطالب الغير بما لا نلتزم به . لذلك توعّد ربنا من يفعل ذلك بقوله تعالى " كبُر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " . أليست هذه مظاهر لكيل بمكيالين أو أكثر .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات