حزب أعداء النجاح


 هو حزب كبير ، وأكبر مما يتخيل أي واحد منّا ، بل هو أكبر الأحزاب ، أي أنه حزب الأغلبية . فهو حزب عابر للطبقات والفئات والأجناس . يجمع في عضويته أغنياء وفقراء ، كبار وصغار ، رجال ونساء ، . يجمعهم شيء واحد يُشكّل محور اهتمامهم وشغلهم الشاغل . فهم أعداء النجاح ويكرهون الناجحين . يتربصون بهم ويتمنون لهم الفشل .

ما أن يبرز أحد في مجال ، حتى تتكاثر عليه الانتقادات ومحاولة التقليل من شأنه والكيد له . تمهيدا لإحراجه فإخراجه . فالإعلامي الناجح مغرور ومدعوم . والأديب الناجح له علاقات مشبوهة ومنتحل . والموظف الناجح مرائي ومرتشي. ورجل الأعمال الناجح حرامي . والسياسي الناجح فاسد . وهو حيال ذلك أمامه أحدى سبيلين ، أما أن يستسلم ويقبل بأن تنتقل إليه عدوى التنبلة ، حتى يكون الجميع في الهوى سوا . أو لا يلتفت للمعوقين ولا يهتم لما يُقال ويستمر في طريق العطاء والنجاح ولو كره الحاقدون .

وربما الأغرب والأدهى من ذلك أن يضم هذا الحزب في صفوفه مسؤولين ، مناط بهم تحسين العمل وزيادة كفاءة العاملين وتشجيع الناجحين والبحث عنهم وايلاءهم الرعاية والاهتمام والتكريم ، وبدل هذا فإنهم يقومون بدور معاكس بكل الوسائل والأساليب الناعمة والخبيثة . فان لم ينجحوا سعوا لعزلهم وتهميشهم ووضعهم في أماكن لا تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم .

وفي الجهة المقابلة يُستخدم نفس الأسلوب مع المدراء المجدّين الناجحين . فالعاملون اعتادوا على نمط بطيء محدود من العمل لا يريدون بل يُقاومون تغييره . وربما يتضامن معهم مسؤول أعلى محاولا تهدئة المدير النشيط مطالبا باستعمال الفرامل فليس في الإمكان أبدع مما كان ، وأنه مهما حاول فلن يتمكن من إقامة الدين في مالطا ( ولا أدري سبب ضرب المثل بمالطا ) .

ونشاط هؤلاء لا يقتصر على الأفراد ومنعهم من الإبداع والنجاح ، بل تعداهم إلى الجماعات والمؤسسات والأحزاب . فهم أعداء للمؤسسات الناجحة أو التي في طريقها للنجاح فيعملون بكل قوّة لإفشالها وتثبيطها وإعاقة نجاحها . وكأن المطلوب من هذه الأحزاب والجماعات والمؤسسات أن تقلل نشاطها أو توقفه حتى يرضى هؤلاء عنها ، ولن يرضوا . إنهم قوى الشد العكسي للنجاح لا يهدأ لهم بال أو يقرّ قرار حتى يكون الجميع مجموعة من الفاشلين .

أرأيتم أحد أهم الأسباب التي تجعل بلادنا في مصاف الدول النامية ( المتأخرة ) . وان حدث تطوير أو تقدم فانه يكون ببطء السلحفاة أو نتيجة جهود فردية مغامرة ، تحدّت المعيقات والنكاية والتشويش . وربما يكون مصيره الإحباط فيضطر مكرها للمغادرة حيث تستقبله مراكز الأبحاث والدراسات ، فيجد في الخارج التشجيع وتوفير الإمكانات وإعطاءه ما يستحقه من مزايا وتكريم .
لذلك غيرنا يتقدم بتشجيع النجاح ومكافأة الناجحين وتوفير كل ما يساعدهم ويحفّزهم عليه . يحصلون من الإنسان على أفضل ما عنده فيبذل أقصى وسعه . بينما نتأخر نحن ونبقى نراوح مكاننا لأن حزب الأغلبية هذا يسوؤه سماع نجاح أحد ولا يُطيق رؤيته ، فنصبح بيئة طاردة للناجحين ليستفيد من جهودها الغير .

إن الدين حثّ على النجاح وتجويد العمل بقوله عليه الصلاة والسلام " أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " وذم أعداء النجاح الذين كل همهم تمنى زوال الخير عند الغير " لا تحاسدوا " . بل المنطق السليم والعقل الراجح يجب أن يكون مع الناجح ويحاول مساعدته وتشجيعه ، لأن هذا النجاح ستصل نتائجه وفوائده للجميع بشكل مباشر أو غير مباشر . وأمة تحارب الناجحين فيها ولا تهتم بهم وتشجعهم ستكون في ذيل الأمم وستبقى محتاجة لغيرها .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات