"حليمة" مفتخرة بـ"عاهتها" القديمة


يموت المواطن يوم يموت في الغرب وقد عاش حياته طولاً وعرضاً، وحقق ذاته في كل شيء، حتى في "التسكع"، المهم أنه جرّب كل ما يمكن تجربته مِن الممارسات البشرية الطبيعية، في المقابل يموت الأردني يوم يموت ونِفسه في كل شيء، بل عاش ومات هامشياً، لم يُحقق ذاته في أي شيء، ولم يُساهم في صناعة أي قرار، أو حتى في إبداء رأي مستقل.
قد يَطلب أحد منّا أن نستحضر الفلسفة القائمة على تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، فنقول يا أخي إن الإرادة لوحدها لا تُغير الواقع فهي تحتاج للقوة وللعقل، ويبدو أن العقل الجمعي لإدارة الدولة ما زال مغيباً ومكبلاً بأغلال الرؤى الضيقة والارتهان المصالح الذاتية، والقاعدة العلمية تؤكد أنه عندما يرتهن العقل للمصالح فإنه يتقاعس عن إبداع حلول وطنية ويستسهل الحلول المعتوه والمشوه والمتناقضة، وخصوصاً عندما تكون المشورة مرفقة بإغراءات مالية ومعنوية، وحاولنا مراراً وتكراراً لإعمال العقل فيما يجري لعل وعسى أن نجد معقولية لما يجري، كل هذه المحاولات تذهب هدراً وتؤكد العبثية، ولا نجد إلا سراب يضحكون به على ذقون الشعب، وعلل إستوطنت الأجساد، وكلما نبرىء مِن جرحٍ يصيبنا مُصاب!!.. حالة مِن الإحباط والبؤس والقليل مِن الكرامة، وأي تفاؤل إزاء هذا الواقع هو ضرب مِن العبث.
الأردن وطنٌ محاصر بكل عوامل التعرية الطبيعية وغير الطبيعية، وثمة حالة مِن التشابه بين منطق التجار في السوق وبين مسؤولينا، يلتقون في نفس الأهداف لتحقيق أكبر ربح ممكن دون الإستناد إلى أي نوع مِن المنطق، ولحكوماتنا ومسؤولينا قدرة كبيرة على اختلاق الكذب وتصديقه ثم ترويجه، فما يُفترض أن تقوم به الحكومة وبين ما يُمارس على أرض الواقع بونٌ شاسعٌ، ونحن البلد الوحيد في العالم التي تتم فيه مكافأة الحكومات على فشلها في إدارة شؤون الناس، وإن نسينا أو أصاب عقلنا العَطب، أعطونا إسم حكومة تعرّضت للمساءلة على تقصيرها!. دلونا على رئيس وزراء أو وزير يستطيع الإدعاء أنه ترك ولو بصمة!، والمصيبة أن الأسماء التي تتكرر في تشكيل الحكومات وأشخاص الوزراء، هي شخصيات فاشلة وممجوجة، نخروا جسد الدولة حتى أنهكوه.
أما المواطن فيكفيه "انتصاراً" و"انكساراً"، أنه ستتم دعوته للذود عن الوطن ومصيره، مِن خلال تنشيط حرب الطواحين بغرض شحذ الهمم للوقوف في وجه أعداء الوطن المفترضين، للمشاركة في التسجيل للإنتخابات والذهاب الى صناديق الإقتراع، وثمة نية مبيتة وخفية في عملية تقديم الشعب كبطل، كما في أفلام جيمس بوند وأفلام هوليود عموماً، فالبطل دائماً موجود، وهو الذي يخرج منتصراً في نهاية الأمر، حقٌ أُريد به باطل، وهذه الفكرة القائمة على البطولة، نتجت عنها سياسات إقصائية إنتهت بجعل الشعب البطل يُطبل خارج السرب دائماً، بعد أن إنفردت ثلة لتقرر مكان الشعب الذي لم تتم استشارته ولم يُسأل يوماً عن رأيه في كيفية تسير شؤون المال والأعمال. فأرقص أيها الشعب البطل حتى تمل، ولا تسأل عن أشياء تضرك، في النهاية شعب عظيم أو هكذا!.
الحياد في هذه الاوقات ما هو إلا هروب، ونحن لسنا أمام مفاضلة أو اختيار، ونكتب مِن دافع الانحياز للوطن والشعب فقط، وانطلاقاً مِن تلمس المخاطر الحقيقية التي تهدد وطننا وهويتنا ووجودنا بشكل مباشر، فنحن ننحاز للفكرة والمبدأ، للمشروع الوطني وليس لجماعات ولا لحكومات، والأمر لم يعد لفت انتباه لأخطاء بذاتها ومحاولة التصويب، لكنها خطايا متعمدة ومتكررة، هناك برامج ومصالح تتأسس وتتشكل وتتصارع على المكاسب وفي نفس الوقت تتفاوض وتساوم على حقوقنا ومستقبلنا، والجروح تغطي جسد الوطن مِن فقر وجوع وبطالة ونفاق وتملق ومداهنة وإبتزاز وفساد، والواقع مرير ومناقض لكل مفردات التفاؤل، وقد ارتضى غالبية الأردنيين التعامل مع هذا الحال، ويبدو أن "حليمة" ستبقى مفتخرة ومعتزة بـ"عاهتها" القديمة، وأغلب الظن –وإن كان إثماً- أننا في انتظار ظهور خارقة مِن خوارق المعجزات أو مفاجأة مِن السماء لحدوث تغيير يهز الأركان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات