هل انهارت النظم وتفككت القيم؟


ان ما يجعل أي مجتمع ممكن الوجود هو الاجماع الاجتماعي والقبول الاجتماعي لمنظومة النظم والقيم والثقافة فيه. ويشكل مثل هذا الاجماع والقبول مرجعية رسمية (نظام عدالة) وغير رسمية (تنشئة اجتماعية ونظام عدالة غير رسمي). ويحافظ المجتمع على اتزان مكوناته من خلال المعززات والمعاقبات الاجتماعية، فيعزز الامتثال للأعراف والقوانين، ويعاقب الانحراف عنها بطرق رسمية وغير رسمية. لقد تغير المجتمع الأردني وهو في طور سريع التغير، مجتمع شاب، متعلم، واعي، وفي الجانب السلبي تعاني شرائح اجتماعية كثيرة وخاصة الشباب من ضغوط وصراعات اجتماعية، وهذه الضغوط فردية وجمعية مثل الفقر، والبطالة، والفساد والمحسوبية، وعدم تساوي الفرص، والشعور بعدم الانصاف والظلم، وأزمة الهوية، والبحث عن الذات الجمعي. ومع ضعف نظام العدالة، وادراك الناس بغياب العدالة والإنصاف.
إن هذا الوضع من التفكك الاجتماعي مؤشر على انهيار النظم الاجتماعية وخاصة نظام القيم، ذلك ان نظام القيم يشكل حجر الأساس في النظام الاجتماعي، والمرجعية الأولى في ضبط السلوك الانساني. وهنا تغيب المعايير المرجعية، وتضعف المرجعيات وتتصارع القيم والاعراف الاجتماعية أو ما أسماها دوركايم حالة الانومي (عدم الانضباط )، لتضعف نظام العدالة الجنائية الرسمي. وقد يعود الناس للعشيرة كجماعة مرجعية للافراد، ويعود المجتمع إلى النظم غير الرسمية وإلى روابط القرابة والدم في تكوين المرجعيات.
ويسود المجتمع الاردني كما هو الحال المجتمع العربي (الربيع العربي) حالة الوعي الاجتماعي الجديدة والمتمثلة في حراك فئات الطبقة الدنيا والمهمشة في المطالبة بالعدالة والانصاف ومحاربة الفساد والحرية والكرامة، وكلها مطالب كونية، لا يختلف عليها أثنان. والتي لم تتوقف عند هذه المطالب بل تجاوزتها في طرح أسئلة تتعلق بالشرعية السياسية، والتي كانت من المحرمات السياسية والاجتماعية، والمطالبة بالمشاركة في الحكم، وفي مساءلة النظام السياسي. أي أنه يبتعد عن المجتمع الابوي والذي تتمركز فيه السلطات في كل من مؤسساته في يد شخص واحد. فتغيرات مفردات الناس الثقافية من تقديس الزعيم إلى تدنيسه، ومن وضعه فوق القانون إلى وضعه تحت المساءلة. وتبدلت المصطلحات فحل مصطلح المواطن محل الرعية، والحقوق محل المكارم... ان الربيع العربي عامة ما هو الا صورة للتغير الاجتماعي القسري، الناجم عن التراكمات التاريخية من الفشل في التنمية البشرية، وفي انتهاك حقوق الانسان، وتعمق الفساد وعدم الانصاف في المجتمع، وتغول الاجهزة الأمنية على مناحي الحياة عامة، واختزال الوطن بشخص الزعيم وأمن الزعيم.
ومحلياً ولنبدأ بالنشاط الرتيب للمواطن الاردني، يذهب الى العمل، يتجاوز الاشارة، يرمي النفايات في الشارع، يقف في المكان الممنوع، يقف في المسرب الخاطئ، لا يتقيد بقواعد المرور والتي تمثل مرجعيات سلوكية على الطريق. يذهب للعمل قد لا ينضبط في الدوام، يعتدى على الوقت العام، يتجبر بالمراجعين، يطالب بكل الامتيازات ولا يقدم بالمقابل لعمله شيء يذكر، انظر الى المواقع الالكترونية ولاحظ اغتيال الشخصية، والاختباء الافتراضي على الشبكة، والأسماء المستعارة ضمن ثقافة الاختباء، والانفلات، ....الخ. اذهب إلى الجامعة والبيت، والمؤسسات الحكومية، انظر لرؤساء الحكومات المتعاقبة كيف يتصرفون يأخذون التكليف الملكي من هنا ويعملون بخط معاكس 180 درجة له، كان الأمل الاردني برئيس من مثل عون الخصاونة، وبرأي الشخصي، فهو لم يختلف عن غيره في تناول القضايا الرئيسية، واذا كنا نتوقع بلاوي من رؤساء الوزراء السابقين واللاحقين، فإننا لا نسامح عون على ارتكاب اخطائهم، فهو قاضي دولي، يمثل العدالة، فإذا كان مرشحاً لارساء العدالة في العالم، فمن الأولى له أن يرسخها في الاردن. ولكنه فشل منذ اللحظة الأولى في أن يرسيها في الاردن، فشل في التشكيل وسار على مسار الرفقاء الذين سبقوه وأنهى ولايته بالطريقة ذاتها (التعينيات التنفيعية)، ما الذي اضافه إلا بعض المناكفات هنا وهناك واستقالة شعبوية. خلاصة القول أنهم متشابهون لأن كل منهم يسعى لتشكيل نفعي وقرارت نفعية تاركين خلفهم الناس يغرقون في مشكلاتهم والبلد تتعمق في أزماتها. لو كان كل وزير يتقن عمله لما ذهب الملك للكرك لحل مشكلة مياه، في حين كان ينبغي ان يحلها رئيس قسم المياه في المحافظة مثلا. أنهم بحكوماتهم هذه وقراراتهم يحرقون الملك، ويحرقون الشعب، ويحرقون المجتمع، يستطيع الملك وقف قرارات الحكومة غير المدروسة، ولكنه لا يستطيع ان يعمل محل كل موظف في الدولة، ولا محل كل وزير.
ومن مؤشرات انهيار النظم، غياب الضبط الجمعي، نرى الخطأ ولا نتحرك لوقفه، تجد شخص يدخن في مكان ممنوع التدحين فيه، لا أخد يقول قف!! ممنوع التدخين. تجد بعض الأهل يحملون أطفالهم الرضع ويدخلون بهم المقاهي وسط كثافة الدخان، غير مهتمين لعوامل الخطورة الصحية. البعض سمح لنفسه بمحاكمة الآخر في الشارع؟ من أعطاه هذا الحق؟ من أعطاه الحق بقطع الطريق؟ إن القناعة الفردية والجمعية بأن فلان فاسد، لا تعطينا الحق في وضع أسمه والمطالبة بمحاكمته في الشارع. فلما القانون إذن؟ ولما نظام العدالة الذي يتيح للمجرم ولكل فرد محاكمة عادلة؟ في الدول الحرة اذا لم تستطع ان توفر محامي للدفاع عنك، تعيين لك المحكمة محام. من أعطانا الحق أن نتظاهر أمام بيوت ما يسمى (الفاسدون) ونلصق الوصم السلبي بهم وبأسرهم وأقاربهم وكل ما هو مهم في حياتهم دون مرجعية قانونية؟ وحتى لو حكمت المحكمة على أحدهم بالفساد هل يحق لنا ان نذهب لبيته ونرفع اليافطات المندده بفساده؟ ولنا في ذخيرتنا الدينية والاجتماعية والحضارية الكثير ليقال في هذا المجال فقصة عمر ابن الخطاب عندما شاهد حالة زنا من على سور المنزل، وكيف كان الرد عليه بتبنيه مطالب بأربعة شهود، وأنه دخل البيوت من غير ابوابها. وبالمقابل اذا القت الشرطة القبض على فار وصاحب اسبقيات، نهجم على مركز الشرطة ونحرقة وقد نقتل الشرطة. كيف أصبحنا قضاة وخصوم ومنفذين؟ اختزلنا نظام العدالة بنحن، ماذا اختلفنا عن ثورات العسكر وحكمهم والذي سحلوا الناس في الشوارع وتعفنت جثثهم في السجون. ما هكذا تكون المطالب. نعم للحراك الوطني بأهداف وطنية بمصالح أردنية عليا بعيدا عن الشخصنة والتشهير واحترام حقوق الانسان وخصوصيتهم.
لما هذه الهروله للوارء، إلى داحس والغبراْ، لما اختصرنا المجتمع (أنا وأخي على ابن عمي...) بالواجهات، والمناطقية، والقبلية، لما أدخلنا العشيرة في الجريمة المنظمة (المخدرات وتشليح السيارات، وسرقتها وابتزاز أصحابها، إن لم يكن هذا إرهاب فماذا يكون؟) لقد قلت سابقاً إن جيل الدجتل الأردني مختلف عن غيره من الاجيال، ولا يمكن أن يلاحق بالهراوات، فهو ليس تحت الرادار الأمني بل إنه تحت الرادار الدولي. لقد تغير الناس وتطوروا وتطور المجتمع وتغير، أما الحكومة وأبنيتها فبقيت كما هي غارقة في عقلية الاحكام العرفية تروج لها بين الفينة والأخرى. وبعد هذا نتساءل هل انهارت النظم وتفككت القيم؟ نعم انهارت، والمشكلة منتج اجتماعي بامتياز "نحن".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات