ظاهرة أردوغان


حُسن النوايا لا تكفي للوصول إلى نتائج صحيحة ، إذ يجب أن يترافق معها أو يتبعها قرارات سليمة ينتج عنها أعمالا وإجراءات صحيحة . وقد أخذ أردوغان العبرة مما حدث مع أستاذه وملهمه نجم الدين أربكان . والذي ورغم أفكاره العظيمة وقدراته الفائقة وإخلاصه ، تعامل مع الواقع كما هو وبحسن نية فأبقى الأوضاع على حالها والتي تمكنت باستعمال سلطاتها القانونية وغير القانونية من الإيقاع به وزجّه في السجن وحلّ حزبه ومنعه من مزاولة العمل السياسي .
أردوغان وما أن وصل إلى الحكم حتى بدأ يخطط لتقليص الدور السياسي للجيش وقادته كي يتفرغ لمهامه العسكرية معتمدا على إرادة جماهيرية ساندته لأنه حقق لهم تحسنا ملحوظا في الأوضاع الاقتصادية واستقرارا سياسيا فقدوه طويلا . فاستقوى بالشعب على قادة الجيش الذين كانوا الحكّام الفعليين للبلاد ويملكون حق الفيتو على أي قرار .
لا ينكر أحد الجهد المضني الذي قام به أردوغان داخليا خاصة في تحسين وضع الاقتصاد ووقف الفساد فأصبحت تركيا غير تابعة سياسيا ورقما اقتصاديا هاما في المنطقة وهذا ما جعل المواطن يجدد الثقة به أكثر من مرّة ، حتى تمكن بعد فترة من أبعاد قادة الجيش بل والزّج ببعضهم في السجن بتهمة التآمر والسعي لانقلاب عسكري والتخطيط للقيام بأعمال إرهابية ، فنجح فيما فشل فيه من سبقه ودفع ثمن هذا الفشل .
أما خارجيا فقد استبشرت به قطاعات واسعة من الجماهير العربية وظنّت أن صلاح الدين جديد قد ظهر ، وكأن قدر هذه الشعوب أن تبقى تنتظر قائدا فذا وزعيما مخلّصا . فكلما برز نجم قالوا هذا هو إلا انه لا يلبث أن يأفل ويخيب أملها . فتبدأ أعينهم تتفحص وتتمحص بانتظار القادم الجديد الذي يعيد للأمة أمجادها وينقلها من حالتها . وقد بدأ تعلّقهم بأردوغان أثر الحرب على غزة ومواقفه خلالها ، كذلك الموقف المشرّف الذي اتخذه في مؤتمر دافوس .
ثم كانت حادثة السفينة التركية وما تبعها من الاستيلاء عليها وقتل عدد من ركابها وأغلبهم من الأتراك . فبدأ يهدد ويتوعد ففي كل يوم له خطاب وفي كل مناسبة له تصريح أو مؤتمر صحفي . إلا أن شيئا حقيقيا ذي بال لم يتحقق وبقى الوضع على حاله وبقيت خطاباته وتصريحاته مجرد ظاهرة صوتية .
وعندما بدأت الأحداث في سوريا بدأ يخطب ويصّرح ما يوحي بأنه سيتدخل في الوقت المناسب لوقف المجازر وأنه لن يسمح بتكرار أحداث حماة مرة ثانية . وزاد الوضع سوءا وبقيت تصريحاته تتردد في الهواء . ولعل تصريحاته السابقة شجّعت البعض في المشاركة في الثورة على أمل أن المساندة التركية قادمة .
وهاهي الظاهرة الصوتية مستمرة فيعلن أن موعد صلاته في المسجد الأموي قد اقترب . وفي هذا السياق أخشى أن يتحول الرئيس مرسي أيضا إلى ظاهرة صوتية . فالخطابات والتصريحات إن لم تتحول إلى عمل وواقع لن يكون لها أدنى تأثير سوى زيادة جرعة التخدير واستمرار نزيف الدم .
لا أحد ينكر على حاكم تكريس جل اهتمامه بشؤونه الداخلية وتحسين مستوى شعبه الذين لهم الفضل في إيصاله لهذا الموقع وهو حريص على استمرار رضاهم لإعادة انتخابه . ومع ذلك فإننا نطالب بأن يعيروا جيرانهم وأبناء جلدتهم اهتماما جديّا فالجسد واحد والجرح في الكف ، وعدم الاكتفاء بتصريحات حماسية تكاد لا تغادر حناجرهم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات