عشتار والمتسول


لبست عشتار ثوبها البراق ونثرت جدائلها فوق الكتفين، فاستقبلها جمع من عطاشا النبوءات، فقد تجلت في جبروتها الغاوي لتعطي النبوءات للطبقة البرجوازية وعلية القوم وتمنحهم صكوك الغفران. فضجت القاعة بالتصفيق واستقبل كل إقطاعي نبوءته، وفجأة ساد الصمت وقفزت نظرات الازدراء إلى شخص لبس ثياب ذل هذا الزمان من هذا من هذا؟ فأجابتهم حالة البائسة إنه الفقير (عفوا المتسول) يحمل بطاقة أحوال وجواز سفر كغيره من البشر، لكن البطاقة مختوم عليها بخاتم المجتمع بين قوسين( متسول) ، يُستقذر من قبل الناس لأنه متسول. من أوصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه من ذل الحاجة وازدراء المجتمع؟ هل تراهم أذنبوا عندما خلقوا فقراء؟ بعضهم لا يستطيع أن يطلب الناس خوفا من كلمة متسول فهي قبيحة في المجتمع، ويعاقب عليها القانون. فكيف نفرق بينهم ونعرف المتسول من صاحب الحاجة؟ مفاهيم مجتمعية اختلطت بدواعي المدنية والتحضر حتى أنها غرست في مناهجنا الخفية، وأصبحت عصية عن التعديل. فكل صاحب حاجة أصبح متسول. تلك الكلمة المخيفة والتي أرعبت حتى الذين نحسبهم أغنياء من التعفف.
عندها بدأت عشتار تدرب زمرتها على اكتشاف رائحة الطريدة من تلقاء أنفسهم، وتعلمهم شعائر أفيون أدمنوه، لتخرجهم من صمت إلى صمت أكبر، لعلهم يتقنون شعائر الدين الجديد، ليسافر الأفيون في أجساد العظماء منهم بلا رقيب أو حسيب، و يبتعد أراذل القوم عنها لأن كرامتهم تساوت مع الأرض، وما أتقنوا فن الخطابة السرمدية ولم يكونوا أساتذة فكر أو مشعوذين، فهم في الدرك الأسفل من سلم الصعود إلى عالم عشتار.
صاحت عشتار بأعلى صوتها لا تطعموه، لا تدخلوه، لا تحدّثوه ، إنه متسول. غريب عن عالم البرجوازية غريب عنكم لن يستطيع أن يحصل على نبوءة واحدة فاسمه في الوثيقة متسول يشبه تموز راعي الغنم، والذي عشقني كيف يجرؤ مثل هذا على الدخول عليكم ومجالسة الصفوة منكم؟.
فصاحب الحاجة يموت في اليوم مرات ومرات، أسى وحزنا لأنه عاجز عن إدخال بصيص من الأمل والفرحة إلى قلوب أطفاله في المناسبات الاجتماعية. وحيد بين مجتمعه، مهجور بيته لا بواكي له. لأنه فقير عفوا (متسول) بمعناها الحضاري. فقد رأيت أنسانا أكل عليه الدهر وشرب لا يملك قوت ساعة، تعرض لأبشع أنواع الإهانة وازدراء الناس ،وذنبه الوحيد انه صاحب حاجة بمفهومها الحقيقي. متسول بمفهوم هذه الأيام.
رئيس ملتقى المزرعة الثقافي
awad_naws@yahoo.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات