نظرة في الحياة


إنّ الحياة بمعالمها الخلّابة ، وبقصورها المشيّدة ، وبخزائها الذهبيّة وإشراقتها الوضّاحة ، ومياهها العذبة الجارية في الأنهار العظام ، وبخيراتها على مرّ الأزمنة والعصور ، وبعطائها اللامحدود ، وبعيشها المستطاب في سعادة ورخاء ، فإنّها تصرّ على وجود الصّحراء الخالية بمسافات شاسعة ، كما تؤكّد على وجود الخراب والدّمار ، وتجزم على وجود المياه المالحة مرّة المذاق ، وتضع الحواجز والعواقب الرّامية إلى الحدّ من الإنجاز والإبداع ، هكذا هي الحياة وهي مخيّرة لمن يريد فسعيد أراد الهناء ، أو تعيس أراد الشّقاء .
وكما هي الحياة بحلوها ومرّها ، رخائها وضيقها ، خيرها وشرّها ، فقد وجد لكّل شيء نقيض مخالف ، فالكأس ممتلؤٌ وفارغ !
فإن أردنا الجانب المضيء وجدناه ، ولكنّه لن يأتي وليد اللحظة والتّمني ؛ وإنّما يأتي بعد الجدّ والإجتهاد ، وبعد السعي والإنجاز ، فالمقابل يحتاج إلى عمل ، وعمل هذه الحياة يكمن في الإبداع والإتقان ، مقرونا بعزيمة وإصرار ، حاذفا المستحيل من قاموس اللغات ، واضعا تحقيق الأهداف في سلّم الأولويات .
وإن أردنا الشّقاء والعناء فالطريق إليهما معبّد وسالك ، وليس بحاجة إلى إسترشاد ، فهو داء سهل الدّواء ، ولكنّه حيث الخراب والهلاك ، فما الفائدة من العيش بلا هدف تحقيقا للوجود ، وما العبرة من حياة لم تشهد بوجودك وإن قصر بك الزّمان ؟!
عن تحمّل المسؤولية نتهرّب ، وعلى الآخرين نلقي اللوم والعتاب ، فهذه تصرّفات الضّعفاء ، اللذين لا يجدون سوى تخليص أنفسهم من المشكلة حلّا يسيرا بدلا من التفكير في إيجاد الحلول الصّحيحة لها ، فالكلّ مسؤول عن الواقع ، فإمّا نماء أو تراجع ، وأنت من تقرّر ذلك في أفعالك المجسّدة بأعمالك والمحققة بالسلوك الداعي للعلوّ والإرتفاع وإلا حققت الهبوط والإنخفاض .
حياتنا فيها المحبة والوئام وبها الرّاحة والإطمئنان وتدعو إلا الأمان والسّلام ، فلماذا نعمل على جعلها لوحة مسوّدة في وجه العدالة والمساواة ، ونصرّ بأفعالنا على نشر المفاسد والشّرور ، ممّا يبعث الرّعب والوَجَل وفقدان المعاني الجميلة وإفشاء الدّمار والتخريب .
قيمنا إن تمسكنا بها نجونا من تيار الحاقدين وتدبير الغاصبين والمعتدين ، فهي داعية إلى ما فيه الخير للجميع ، وقد لا نتفق معها في بعض الأحيان ولكنّها بالمجمل تعمل على بعث الرّاحة والسّكينة في النفس البشرية .
لنا حقوق ولكن بالمقابل علينا واجبات ، طرفان مرتبطان لا ينفصلان عن بعضهما إلا في الطّوارئ والمحن فعندها قد يُسمح بآداء للواجبات من دون الحصول على الحقوق ، لأنّ في ذلك واجب يحتّم على المرء أن يدافع عن أرضه وأن يعمل على صون عرضه ونفسه .
الحياة مليئة بالمشكلات الجسيمة ،ولكنّ الصّبر والتدبّر في التفكير ، والتصرّف بحكمة وموضوعية ، بعيدا عن النّزعة الذّاتية ، وبعزيمة قوية ، طريق من طرق عديدة للوصول إلى الحلول القديرة .
رغبتنا في التغيير هي الأساس والمنبع ، فليس التغيير بالإجبار والقوّة ، وإنّما منبعه الضّمير، والنفس العاقلة التي تسعى إلى الرّشاد والصّلاح ، فالتغيير لا بدّ أن يكون أساسه قاعدة متينة غير قابلة للكسر والتهشيم ، و منبته حبّ الوصول إلى المثاليّة ، وتوق النّفس إلى بلوغ الغايات .
بأيدينا نصنع المستقبل ، وبعقلنا نخطّط لما سيكون من إنجاز ، ضمن أسس موضوعية ، تتسّم بالقدرة على التطبيق ، ولكن لا بدّ من كسر حاجز الخوف والرّهبة ، وتحطيم العجز والمستحيل ، فالذكاء الخلّاق قدرة في البشريّة ، لذا وجب علينا السّعي إلى إبراز المواهب المختلفة والقدرات البنّاءة والعمل على تنميتها لتسهم في تحقيق الإنجازات المتوالية والتي تكون في مصلحة الفرد والمجتمع وتعمل على النّماء والإزدهار .
أفعالنا تعكس طبيعتنا ، لذا وجب علينا الحرص على أن نقوم بما هو بنّاء بعيدا عن الغلوّ والتّطرف ، لنعكس الصورة الإيجابية والمثلى عن مستوى الأداء الذي نقوم به في مختلف الظّروف والأحوال .
سلوكنا يعمل على التغيير ، فلسنا بمعزل عن مجتمع كبير ، بل نحن جميعا جزء في التّكوين ، فعلينا أن نصنع الفارق بين الحاضر والماضي ، وأن نتطلّع إلى مستقبل منير ، تصرّفك يحدث فارقا بالسّلب والإيجاب ، فلتحرص على تنمية الإيجابيات والقدرات والنجاة من تيّار خطير فيه سلبيات وتدمير .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات