مستنقع التوجيهي


قال تعالى: }‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}‏
أذكر جيدا قبل 14 عاماً حين قدمت امتحان التوجيهي، لم أفكر حينها في الغش مطلقاً لأن التفكير في الأمر في ذاك الوقت يعني الهلاك، فبالإضافة لعقوبة المراقب القاسية جداً هناك ما هو أقسى و هو نظرة من حولي لي كشخص غشاش، فقد كان تصنيف الغشاشين ضمن الحثالة القليلة في المجتمع، و نجحت بحمد الله و فضله و كلي ثقة بقدراتي و علمي و دخلت الجامعة مطمئنا و تخرجت منها واثقاً و تعينت مدرساً و كلي ثقة بأني كفؤ لهذه المهنة السامية، و لكني فوجئت بأن التوجيهي اليوم هو ليس التوجيهي الذي تقدمت له قبل 14 عاماًّ!

فما المسار سريع الانحطاط الذي سلكه التوجيهي حتى أراه كمراقب بهذه الصورة البشعة؟ فقد وجدته بشع المنظر نتن الرائحة و كأنه مستنقع من الوحل و القاذورات يحاول إغراق كل من يقترب منه!

فما الذي حصل؟ و كيف تغيرت مفاهيم المجتمع خلال العقد الأخير من الزمن فتدهورت القيم ليفترس مارد الغش و أعوانه حمل الاستقامة الوديع ؟

مجتمعنا الطيب الذي يطالب بالقضاء على الفساد و الفاسدين هو ذاته الذي قلب المفاهيم فصار الغش أمراً اعتيادياً واجب الحصول و صار المراقب الذي يخاف الله و يحاول حماية منظومة القيم و الصورة المشرقة للمعلم القدوة و يمنع الغش فذاك لئيم لا يساعد أبناءنا على النجاح!

أنا شخصياًَ حصلت معي العديد من المفارقات في موضوع التوجيهي فمرة جاءت لي أم طالب بتاكسي بعد العاشرة ليلاً تبكي و تستجدي أن أجيب لابنها أسئلة الفيزياء لينجح!!! و مرة هددني طالب بالضرب و تكسير سيارتي!!! و مرة طلب مني رئيس قاعة أن أغض الطرف!!! فلم يعد الغش ممارسات فردية شاذة كما كان سابقاً، و إنما ثقافة مجتمعية و طاعوناً يسري سريعاً في جسد المجتمع.

واسمحوا لي أن أطرح بعض التساؤلات و أقدم بعض النصائح لكل من يرى الغش في التوجيهي أمراً طبيعي الحصول و ربما يقول البعض شر لا بد منه!

أقول لكل ولي أمر و لكل أم تخاف على أبناءها اتقوا الله في أبنائكم و لا تحقنوهم بالفساد مبكراً فما زال أمامهم مشوار طويل.

و أتساءل هل الطالب الفارغ الذي ينجح بالغش قادر على النجاح في المستقبل في مهنته دون غش؟ أم هو مهندس غشاش تنهار على يديه العمارات؟ و معلم غشاش يخرج جيلاً أميا؟ و طبيب غشاش يتلاعب بحياة المرضى و سياسي غشاش ينهب أموال المواطنين ؟!
و إلى إخواني بناة الأمة و صانعو المستقبل أقول .. مهما ركضت السنين فمهمتنا السامية تنحصر بكلمتين ***تربية و تعليم*** فأين التربية و أين التعليم في تخريج جيل فاشل فارغ لا ثقة له بنفسه و لا علم عنده، وفي تحطيم منظومة القيم التي غرسناها في أبنائنا لمدة 12 عاما، فنحن بدعمنا لمارد الغش نستبدل المقولة العظيمة "العلم يبني بيوتاً لا عماد لها بمقولة محرفة ساقطة "الغش يبني بيوتا لا عماد لها" و نحن بذلك نساعد أعداء الأمة الذين يسعون باستمرار للقضاء على أخلاقنا و علمنا لأنهم يعلمون أن العلم و الأخلاق هما ركيزتي نهوض المجتمع، فمجتمع بلا علم ولا خلق هو مجتمع موبوء هالك.

ألا تتفقون معي قرائي الأعزاء أن عام التوجيهي الآن و بدل أن يكون عام التنافس في طلب العلم و المثابرة و الجد و الاجتهاد أصبح عام السهرات المشبوهة و معاكسات البنات و شرب الأرجيلة و التسكع في الشوارع و حضور المباريات و ارتياد النوادي و من ثم يطلب من المراقبين في نهاية العام أن يساعدوا الطلاب لينجحوا... هل هذا هو مفهومنا الجديد للنجاح ؟

و الله من وراء القصد مالك المومني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات