خرافة الشفافية في القرارات الحكومية


مصطلح الشفافية في الأردن من أكثر المصطلحات شيوعا واستخداما وخصوصا من قبل المسؤولين الحكوميين ابتداءا من رئيس الوزراء وانتهاءا بأي مسئول في أدنى حلقات الهرم الإداري في الحكومة ،لا بل فقد أصبح هذه المفهوم يستخدم بمناسبة أو بغير مناسبة من قبل الخطباء والمتحدثين في المجالس العامة والخاصة وحتى في الأسواق والكراجات لدرجه يعتقد ضيوف الأردن أن المملكة واحة من الشفافية، وحرية المعلومات وسهولة الوصول لها.والحقيقة تبدوا عكس ذلك تماما حيث أن معظم القرارات الحكومية وخصوصا تلك المتعلقة بالتعيينات في المواقع القيادية أو الدبلوماسية أو التنسيبات الأمنية بخصوص الموافقة أو عدمها على قرار حكومي معين تبدوا معظمها غير شفافة وغير متاح للصحفيين أو عموم المواطنين الوصول إليها أو إن تم الوصول إليها قد تبدوا الأمور أصولية ولا يشوبها شائبة قانونية أو إجرائية في حين أن القرارات تم الاتفاق عليها بشكل شخصي قبل انعقاد الاجتماعات وتم إخراجها بشكل رسمي وإلباسها رداء قانوني يصعب خرقه أو اختراقه وهو تماما ما حدث في كثير من قضايا الفساد التي وجد بأنها محبوكة بشكل يصعب من خلاله إدانة أو تجريم جهة معينة.
الشفافية تعني أنه يمكن للمواطن المعني أو المتضرر من قرارات حكومية معينة وكذلك الصحافة والصحفيين الوصول إلى المعلومات والحيثيات المتعلقة بالقرارات باستثناء القرارات المتعلقة بالأمن القومي ومصالح الوطن العليا وهذين الجانبين يصعب تعريفهما وتحديد المقصود بالأمن الوطني ومصلحة الوطن العليا . مصلحة الوطن العليا وتحقيق الأمن الوطني وقدح مقامات عليا مصطلحات مطاطة ليس لها معاني دقيقة وتستخدم لتحقيق أهداف سياسية أو قمع جهات أو أفكار أو اتجاهات معارضة للقرارات الحكومية أو إخفاء معلومات وقرارات غير نزيهة وغير صحيحة عن الناس .
يتساءل بعض المواطنين عن مدى شفافية تعيين السفراء في وزارة الخارجية من داخل وخارج السلك الدبلوماسي؟ وعلى أي معايير تستند عملية التعيين هذه ؟وما مدى شفافية تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء في الجامعات الأردنية الرسمية وهل يستطيع أحد أن يكشف الأسباب الحقيقية والتدخلات من قبل الأجهزة الأمنية في مثل هكذا تعيينات ؟وهل يستطيع أحد أن ينكر أن جميع التعيينات لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات مشروط بموافقة من الدوائر الأمنية؟هل تصدقون أن أحد أعضاء هيئة التدريس يتم استدعائه من قبل الأجهزة الأمنية ويعرض عليه موقع عميد قبل أن يفاتحه رئيس الجامعة بذلك؟بالطبع عند رفض تعيين المتقدم يقال له أنه لم يقع عليه الاختيار لكنه لا يطلع على السبب الحقيقي وهو الرفض الأمني فأي شفافية هذه التي نتحدث عنها؟
معظم قضايا الفساد في الأردن جاءت نتيجة لغياب الشفافية التي يتشدق بها معظم المسؤولين الأردنيين الذي يخفون المعلومات ويضفون جميع صنوف السرية في العمل الحكومي لدرجة أن الإفصاح عن أي معلومات عامة يمكن أن يعرض الموظفين للمسائلة وكأنهم قد أفصحوا عن معلومات نووية أو عسكرية لجهات عدوه .أين الشفافية من غسيل الأموال والتي مضى عليها سنوات طوال،وأين الشفافية في التعيينات في وزارة الخارجية ،وأين الشفافية في تدخل أطراف من العائلة المالكة في تعيينات قيادية في وزارة الخارجية وغيرها،وهل يتفق عدم حماس الملك لتشريع قانون من أين لك هذا مع مبدأ الشفافية الذي ننادي به؟ أين الشفافية مما يدور حول برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي سيئ الذكر والأموال التي هدرت فيه ؟وأين الشفافية في المصروفات الهائلة للديوان الملكي والتي تتجاوز الأرقام المعلنة في الموازنة؟ وأين الشفافية في الإنفاق العسكري الذي يناهز الألفي مليون دينار سنويا وهل هناك دراسة ومناقشة حقيقية لهذه الموازنة من قبل مجلس النواب؟ .
إن الاستخدام المتكرر لمصطلح الشفافية في الأردن هو مؤشر على غيابها وليس حضورها ووجودها في المجتمع، وكما يقولون بأن الأواني الفارغة هي الأكثر إزعاجا وضجيجا من الأواني الممتلئة تماما مثلما أن التجارة الكاسدة والمنخفضة الجودة يكثر أصحابها من الصراخ والتشدق بالجودة في حين أن البضاعة الجيدة لا تحتاج لنفس القدر من الدعاية والترويج. الأردنيون يروق لهم استخدام المصطلح انطلاقا من اللياقة الكلامية والخطابية في حين لا يعكس ذلك شفافية حقيقية في العمل لحكومي. في الدول الديمقراطية الحقيقية قلما تسمع حديثا الشفافية ولكنك تراها كل يوم وتسمع عن الفضائح والمخالفات والتجاوزات القانونية والأخلاقية ومعظم هذه الفضائح والتجاوزات تكشف من خلال وسائل الإعلام وحرية الوصول للمعلومات. الشفافية في الأردن كلام نظري وللاستهلاك المحلي فلا النظام السياسي ولا رؤساء الحكومات ولا المسؤولين بكافة شرائحهم يميلون للشفافية وهم يتمتعوا بالسرية في المعلومات والقرارات ويتمترسون خلف السرية لأنها تتستر على أخطائهم وفضائحهم وقراراتهم وسوء استخدامهم لصلاحياتهم ويخرج علينا بعض المسؤولين والنواب ليقولوا من لديه معلومات عن فساد أو شبهة فساد فليذهب للمحكمة أو لدائرة مكافحة الفساد ليدلي بمعلوماته فمن أين ستأتي المعلومات في ظل هكذا أوضاع من السرية وعدم الشفافية في القرارات الحكومية!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات