الأردنيون مواطنون وليسوا رعايا


" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" حديث شريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم مضمونه تأكيد على دور المسئول أو الإمام أو رب البيت أو من هو في مكانهم في خدمة الناس والسهر على تحقيق مصالحهم وتحقيق أمنهم والعناية بهم . بالتأكيد أن هذا الحديث عن أفضل الخلق يضع أساسا لمسؤولية القائد ومن هو في مكانه لممارسة مهام ومسؤوليات في خدمة من هم في موقع الرعاية.ويدخل في باب الرعاية سماع رأي الناس ومحاورتهم والتجاوب مع مطالبهم وأمانيهم المتعلقة بالأسس والشرعية التي تقوم عليها الرعاية وهو ما أصطلح على تسميته في الفكر السياسي المعاصر بالشرعية السياسية وقواعد اللعبة الديمقراطية .
لم أعتقد يوما أن مفهوم ومضمون الرعاية والرعية التي أكد عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى تحويل الرعية إلى أتباع أو خاضعينSubjects) ) ،مفعول بهم لا فاعلون،لا رأي لهم إلا الإطاعة والخنوع وتمجيد ألقائد أو الراعي وإسماعه من المديح ما يطرب إليه وحجب المعلومات التي لا تشنف آذانه،ولم أفهم من الحديث الشريف أن راع يمكن أن يسلط أجهزته الأمنية للتنكيل بشعبه ، ولم أفهم من مفهوم الرعاية قيام الراعي بغسيل أموال وسرقة مقدرات الشعب ،نعم لم أسمع عن راع أؤتمن على خدمة الناس لنكتشف فيما بعد أنه كان ينهب تراب الوطن لسنوات عديدة ليهرب ويقيم في لندن مسترخيا ومستمتعا بأموال الفقراء والمعوزين من الشعب،ولم أسمع عن راع يرعى برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي بكلفة 450 مليون دينار لنكتشف أن ثروته تعاظمت من صفر عام 1984 لتصبح 800 مليون دينار ويعيش في بيت ثمنه 12 مليون دينار ويتجول في البلد محصنا لا يستطيع أحد الاقتراب منه لأنه هو الخط الأحمر الذي تتكسر عنده وعليه جهود الإصلاح ومكافحة الفساد وتسقط من أجله حكومات وتتعطل طموحات الناس بتحقيق العدالة.
مفهوم الرعاية التي تضمنها الحديث النبوي الشريف هو مفهوم المسؤولية والخدمة والرحمة والتضحية من أجل الشعب وليس التنعم والرفاه على حساب قوت الشعب والضرائب الرسوم التي تجمع من موائد الناس ومن عرقها . الرعاية هي مسائلة أكثر منها إخضاع وقهر وترويض لإرادة الناس وتحويلهم إلى تابعين لا كيان لهم ولا قول ولا فصل لهم ،لا يقدمون ولا يؤخرون في مصير بلدهم وتطوره، هم مجرد أدوات ووسائل يتم استخدامهم تحت مسميات فئة خاصة وفئات عليا ومعالي وعطوفة وسعادة، يقرب الراعي هذا ويلمعه تلميعا ثم يرميه كالخرقة ويوصمه بما يريد من عبارات يرددها وراؤه من يعتبرهم رعيته وليس مواطنيه.
الأردنيون شاهدوا بأم أعينهم كيف تم تجاهل قطاعات كبيرة منهم في ما سمي الإصلاح السياسي ، ولجان الحوار الوطني، ولجنة تعديل الدستور وغيرها من الهيئات التي يشكلها النظام من أجل تحقيق الإصلاح السياسي، ويصرح النظام ليلا ونهارا بأنه هو الذي بدأ بالإصلاح وأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة للبدء فيه ولا أعلم من الذي كان يمنع النظام منذ عشر سنوات من الشروع بالإصلاح وكيف قرر فجأة أن يبدأ فيه عشية الربيع العربي؟ لا أعلم كيف أوفق بين مفهوم الرعاية والقيادة لشعب يعاني من حجم مديونية غير مسبوقة، وعجز فلكي في الموازنة العامة،ونسب بطالة تجاوزت كل الحدود ،وفقر يرمي ضلاله على أكثر من 60% من الشعب الأردني،واقتصاد يمر في مرحلة ما قبل الانهيار ومع هذا كله نجد وقتا لسفر القيادات العليا في النظام السياسي لحضور احتفالات بروتوكولية تكلفنا من خزينة الدولة أرقاما باهظة من إقامة ومياومات وهدايا في الوقت الذي يشحد بعض الأردنيين الملح وبعضهم لا يكاد يجده .
الأردنيون مواطنون منتمون لتراب هذا البلد ولا يريدون أن يعاملوا كرعايا "أو رعيان" أو مقيمون يدفعون الضرائب ولا قيمة لرأيهم ولا دور لهم في إدارة شؤون أنفسهم . الأردنيون ليسوا أدوات ورعاع يتم تولية أمرهم لنفر من المنافقين والممالئين الذين يشبعونا كلاما عن الوطنية والانتماء والتضحية من أجل تراب الأردن لنعلم لاحقا أنهم أشرار همهم ترتيب أوضاعهم وأولادهم ومصالحهم على حساب القطاعات الشاسعة من الشعب وقد اصطلح بعض كتاب وعلماء نظرية التبعية على تسمية هذه الحالة بالاستعمار الداخلي والتي استبدلت حالة الاستعمار المباشر للقوى الخارجية باستعمار داخلي من قبل أفراد من بني جلدتنا ويتحدثون لغتنا ومصطلحاتنا ولكنهم يمتصون دمائنا وينهبوا مقدراتنا.
نعم كثير من الأردنيين لا يريدون أن يكونوا مجرد رعايا وأتباع وإنما يريدون أن يكون أصحاب بيت، ولهم قول في من يدير شؤونهم ، ويشرع قوانينهم، وبيدهم سلطة محاكمتهم ومسائلتهم عن مصادر ثرواتهم وصحة قراراتهم وتجبرهم بمصائر الأردنيين وحرياتهم تحت مسميات أمن الدولة وإطالة اللسان وقدح المقامات وتقويض نظام الحكم والإساءة لسمعة المؤسسات وغيرها. نعم الأردنيون فقراء ولكنهم أعزاء وكرامتهم عالية ويسوؤهم أن يستهتر بمطالبهم الإصلاحية وتطلعهم لإحداث تغيير جذري في الحياة السياسية تمكن المواطنين أن يكونوا أحرارا في بلدهم لا أن يستدعون في كل شاردة وواردة للدوائر الأمنية للتحقيق معهم ، ويولون المواقع القيادية أو يحرمون منها على ضوء ولاءآتهم السياسية لقيم النخبة المنحرفة التي تدير البلاد وليس للولاء للوطن. قيادة النظام السياسي في الأردن متوقع منها أن تنصت لصوت الشعب وليس لصوت الأجهزة الأمنية وتقارير المستشارين الأمنيين وأعضاء النخبة الذين لم نعد نثق بهم خصوصا بعد ما تكشفت الأقنعة وتبين لنا أن حاميها حراميها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات