كل شيء بثمنه في الأردن، فما هو ثمن وطنكم أيها الأردنيون؟


ذكر لي أحد الأصدقاء أن فلان والذي يشغل منصب وزير "في الحكومة الحالية" قال له: أنا أكتب زاوية أسبوعية في صحيفة وسماها "....." بمبلغ 200 دينار شهرياً، ولا تأخذني من الوقت أكثر من دقائق (هذا الحكي قديم)، ثم شغل منصب رئيس تحرير لينتقده من أتى بعده أنه سخر تلك الصحيفة له ولمزاياه حتى أنه حمل ما بعهدته وخص به نفسه وكأنه ملك له وليس للصحيفة. ثم يأتينا رئيس الوزراء المستقيل في ظروف غامضة أو المقال -لا فرق- ليقول "بأن قرار الاستقالة هو العمل الوحيد المشرف من أعماله" حسب ما ذكرت الصحف الإلكترونية الأردنية. ويبدأ بنشر الغسيل القذر لمن حوله من صناع السياسة وقتلة الحياة والشعب.
دعوني أتوقف بعض الشيء عند هاتين العبارتين، الأولى لوزير يشغل منصبه في زمن عصيب، في مرحلة هي الأكثر خطورة في مسيرة الأردن الذي يعد دولة غضة طرية بين الدول التي امتدت عبر التاريخ، حيث تم إنشاء هذه المملكة "كدولة" قبل ما لا يزيد على ثمانين عام وهذا عمر قصير في تاريخ الدول.
الوزير المذكور يقيّم مقالته "الوطنية.." بمقدار ما يدفع له، فالكتابة التي كانت رسالة يوما ما أصبحت مهنة رخيصة، حيث من الممكن أن يتحول هذا الكاتب إلى أي جهة تدفع له أكثر، بل ونفهم من عبارته أنه عنصر مقبول لدى بعض الصحف ليكون من أعمدتها بمبلغ 200 دينار وربما بعد أن اصبح وزيراً سيتقاضى أضعاف هذا المبلغ ليكتب كلمتين في صحيفة معظم سطورها منذ نشأتها مليئة بالنفاق، أو للوقوف دفاعاً عن حكومة هزيلة أمرها بيد مسيسي المخابرات وأعمدة الفساد في الوطن. إذن لا بأس، كن منافقاً واقبض واملأ حسابك واشترِ سيارة فخمة وغير الشقة من حي فقير معدم إلى أحد أحياء عمان الفارهة الغارقة بالملذات من عرق وخبز المواطن البسيط الذي أدمن الإضرابات منذ ما يزيد على عام، ولم ينل من حقوقه إلا المراوغة من الحكومات التي تعاقبت على البلاد. افعل كل ذلك ثم اظهر لنا آخر النهار بتصريح يملأ فمك زبداً ويغسل الميكرفون كرشاشات الماء في حدائق بيوت الفاسدين، لكنه "تصريحك" بالتأكيد لن يملأ بطون الجوعى ولن يكون المأوى للمشردين من أبناء بلدك، افعل كل هذا وادعي بعد ذلك ما شئت من الوطنية، فهناك من يصدقك من المنافقين وهناك من سيحني لك ظهره وهو يناديك بمعالي الوزير، كل هذا يجعلك تنتشي بينما وطنك يحترق وتأكله الضواري.
ثم يظهر علينا دولة الخصاونة بتصريحه وكأنه يطلب من الشعب الغفران ويضع اللوم على الملك وعلى أجهزة المخابرات، وهنا أسائله ؛ من الذي أجبرك على قبول رئاسة الوزراء في وضع هو الأكثر تردٍ في تاريخ الدولة الأردنية وأنت تدعي أن من ذكرت لن يأذنوا لك بأي عمل إصلاحي على طريقتك؟ قد يكون ذلك صحيحاً، لكن لماذا يا سعادة القاضي لم تعتذر ليعرف التاريخ الأردني أن رجلاً واحداً في تاريخ التناوب على الوزارات قد اعتذر عن تسلمها لأنها "خشخيشة" وليست وزارة؟ للأسف أنا أقول لك لماذا، وبالمناسبة لست وحدك من يفعل هذا، يقبل وهو يعلم أنه لا حيلة له ولا قوة في منصبه، بل كل من جاؤوا قبلك كذلك، كل من يأتي الوزارة يعرف أنه "خشخيشة" بيد اللاهين الذين يريدون التلهي والخروج بأكبر المكاسب.
للأسف هناك فلسفة دارجة في الأردن ونجدها على كل المستويات، حيث يسعى الأردنيون لتأمين المستقبل لهم دون الاهتمام بالحاضر. فمن تعرض عليه الوزارة يقبلها وهو يعلم أنه "خلقة موظف" تتقاذفه أيادي اللاعبين في عمان، يقبلها لعدة شهور ويذل نفسه من أجل الراتب التقاعدي الذي سيحصل عليه، ونسي هذا أو تناسى أن الأردن كله في خطر وإذا وقع مالا نحب بالتأكيد سيخسر كل شيء حتى بيته وأرضه.
البحث عن تأمين المستقبل بهذه الطريقة بالتأكيد يحد من كفاءة الشخص ويحد من قدرته على التغيير نحو الأفضل، لهذا فمعظم من يأتون إلى الوزارات يأتون بنية الحصول على لقب "معالي" وتقاعد شهري يراه المنجي من غوائل الدهر، ولا يأبه للتغيير حقيقة.
ثم لا يلبث أن يتقاعد هذا الوزير أو الرئيس، أو يقال فيجلس على أريكته في مضافة صممها لتقبل جموع الزوار المنافقين الذين سيبقون ينادونه بالمعالي والدولة حتى يموت، وحينما يكفن ويلقى في الحفرة يعود الجميع، ولسان حالهم يقول "استراح وأراحنا"، لكن النفاق كان يمنعهم من مثل هذا القول يوم كان حياً ويدلف أحد صبيانه يسقيهم القهوة وهو يروي لهم قصص بطولاته المختلقة، ومن يدري فقد يقول: كانت استقالتي أشرف عمل أقوم به في حياتي، أو يقول: كتبت أكثر من ألف ألف مقال وطني ضد الفساد، والحقيقة أن كل ذلك مدفوع ثمنه، وأنهم باعوا كرامتهم وكرامة وطنهم بثمن بخس.
أيها الأردنيون: في دولة أصبحت مديونيتها اضعاف قيمة الأرض والموارد، والفساد في كل زاوية من زوايا الدولة من سرقة ونهب ولصوصية، هل ترون الإصلاح في تلك الدولة بتصريح وزير أو رئيس وزراء كما فعل الخصاونة ويفعل غيره من المقالين او المستقيلين؟ من كان يرى ذلك فهو أعمى البصر والبصيرة، وسيرى الإصلاح كما تقول "ختياراتنا" "لما ينور الملح". للأسف نحن نتعامل مع مفهوم سائد وفلسفة تجذرت وتعمقت في نفوس الأردنيين، وخصوصاً أولئك الذين اصطفتهم دوائر صنع القرار الخفية لإكمال مسيرة الفساد. نعم كل شيء بثمن، وثمن هذه الفلسفة الرديئة أننا مازلنا نراوح مكاننا بينما غنم الوزير تقاعده ولقب معالي وغنم دولة الرئيس لقبه ورصيده، لكننا خسرنا وطننا وخسرنا كرامتنا....
أجل أيها الأردنيون: كل شيء بثمن، فما هو ثمن الإصلاح في وطنكم؟ حركوا ضمائركم وأجيبوا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات