حكومة راقصة وطبال


ربما لا نعرف نحن الشرقيون الكثير عن علم الفلك هذه الأيام رغم أن أجدادنا الأوائل هم من أسسوا لهذا العلم ووضعوا قواعد التعامل مع المجرات المحيطة بنا، وربما لا نعرف الكثير عما يجري على القمر وعشاقنا هم من أشبعونا غزلاً بعشيقاتهم ووصفهن بالقمر، كذلك وحينما تحدثت المحاضرة في مؤتمر تعليمي حول Singapore Math وشرحت بعض ميزات هذا النظام الرياضي، قلت لزميلي وهو من قطر عربي شقيق: لو كان بيننا زعيم عربي من الذين رحلوا أو الذين مازالوا ينتظرون ترحيلهم "لفز من على كرسيه" وصرخ " احنا نعرف سنغافورة نادي ليلي شو دخلها بالحساب والرياضيات"؟ بالتأكيد هكذا الحال في عالمنا العربي جهل فوق جهل وكما يقولون "اللي ما يعرف الصقر يشويه"، ربما هذا هو الحال السياسي في بلادنا.

الأزمة التي يمر بها الأردن اليوم يجري التعامل معها بذات الجهالة، فالحكومة تتبادل الأدوار مع مؤيديها ومعارضيها على السواء على طريقة الراقصة والطبال، فتارة ترقص وأخرى تدق الطبل، والنتيجة سيّان. فالأردنيون مازالوا يراوحون مكانهم والفساد ينتشر ولا يتقلص كما يدعي البعض، بل ربما يجد الفاسدون الآن طرقاً جديدة لتغطية أنفسهم قانونياً واحترازاً من تصفية حسابات قد تحدث في المستقبل. وكم كنت أتمنى على الحكومة هز الرأس تفكيراً بدل "الخصر" ولكن ليس على الطريقة الهندية إنما على طريقة السياسي الذي يحرك رأسه وكأنه يبدل الأفكار ويستمزجها قبل أن يخطو دون وعي وإدراك لخطوة أخرى لكي يبني المستقبل له وللبلاد التي يحكمها لا أن يتسبب بهدم ذلك المستقبل وتدميره.

الحكومة مثلاً، رقصت على "الوحدة ونص" حينما ظنت أن الإخوان يطبلون لها وذلك حينما تحدث الدكتور عربيات عن عقلانية رئيس الوزراء، وأشبعنا رئيس الوزراء بنظرته التفاؤلية وهو لم يتحرك خطوة واحدة للأمام، وكان بإمكانه أن يتحاشى هذا الوضع لو أنه قرأ بين سطور تصريحات الإخوان أو قرأ بيانات أخر غير تلك التي اتهمته "بالعقلانية" سواء من الإخوان أو غيرهم ممن يحركون الشارع الأردني.

للأسف؛ الحكومة لجأت للعواطف كما يفعل العشاق في حل المشكلات واكتفت بالغزل الإعلامي، بينما كان الأحرى بها أن تتعامل مع الوضع المتفاقم سوءاً بوسائل الإدارة العامة، وكان ينبغي على رئيس الحكومة تفعيل الولاية العامة حقيقة بدل أن يكون بوقاً لمن ينفخ فيه على طريقة "حكاواتية الشام" والدمى التي يحركونها بأصابهم أو على طريقة الدمى التي تعبأ أو تشغّل ببطارية هذه الأيام. من هنا وبمقارنة بسيطة لحكومة القاضي مع حكومة الكازينو نجد أن الأخيرة كانت الأكثر كفاءة رغم فسادها، فهي التي قدمت التعديلات الدستورية على علاتها، وهي التي عملت وفق مبادئ وأسس الإدارة العامة بغض النظر عما أحرزته على جانب الشفافية والعدالة أو في موضوع الولاية العامة وتحصينها من الأجهزة الأمنية التي تتدخل حتى بعدد أنفاس الحكومة على طريقة "ملك الموت" الموكل بالعباد بأمر الله.

ثم نرى حكومة "قاضي لاهاي" قد أصدرت أحكامها دون أدلة فيما يتعلق بما يجري على الساحة الأردنية، وكأن مفاتح المعارضة بيدها وهي القادرة على إخماد الصوت المزلزل في البلاد بقانون انتخاب انتقده المتخصصون من القائمين على تسيير الحراك في الشارع الأردني أشد انتقاد، ثم نراها توحي لمن يؤيدها أن يتخموا الصحف المطبوعة والإلكترونية بكون ذلك إنجازاً لتبدأ عملية الرقص وفق إيقاعات غير منتظمة مما جعل الحكومة ترقص "الدلعونة، والدحية والهيجنة" على طريقة رقص الأفارقة في زمبابوي عند عثورهم على صيد تعتبره ثميناً رغم أنه قد لا يتعدى ان يكون أرنباً ضالاً، لكن الجوع جعل من الأرنب غزالاً في أعينهم.
فهاهي الحكومة تجتمع لإقرار قانون انتخاب مرفوض مسبقاً من الحراكات الشعبية وغير واضح ولا يتناسب مع جزء يسير من مطالب الشارع الأردني، وتتعامل مع المواطن على طريقة المثل الشعبي "جوزك وإن راد الله"، ولا تتلكأ أبداً ان تطلب من بعض الطبالين أن يدق الطبل لترقص وتهز بطريقة استعراضية على "الوحدة ونص" وإذا احتشمت الحكومة تخرج من الرقصة بستر عروتها "بشماغ" يغطي سوأتها التي رآها حتى الأعمى من الشعب، لكنها وبقدرة قادر أصبحت هذه السوأة صورة الحكومة الجميلة في أعين أنصار الحكومة، أو لأقل مروجي الفساد من صحفيين ونواب ورجال دولة وغوغاء.
للأسف هذا هو حال حكومة قاضي لاهاي، نراها صورة استفزازية لوجه قبيح فاشل في إدارة الأزمات، وكأنها تعمل ظاهراً كإدارة للأزمة لكنها تختلق أزمات تغطي على فشلها، فيتشابه عملها تماماً مع من يحرث في الماء، فلا هو يستطيع أن يتم حرثه ويذهب أثره بطرفة عين.

يا عزيزنا رئيس الحكومة: أعتقد أنك تستطيع العودة إلى لاهاي قبل انتهاء إجازتك، وإن لم يأذنوا لك بالعودة فلربما تقضي بقية الإجازة سائحاً فلا بأس عليك؛ غادر الدوار الرابع فيما تبقى من إجازتك من محكمة لاهاي، وتفسح في الشوراع ومحلات الكنافة وقم بزيارة البتراء والعقبة وربما وادي عربة حيث يذكرك بما قمت به من دور في مرحلة فساد لن يتخلص الأردن منها ولو ذهب لكل محاكم الأرض، لأنك أشرفت على الصيغة القانونية لمعاهدة أذلت الأردن وجعلته أسفل سافلين.
يا دولة القاضي، كم هو صعب أن تبقى تلعب خارج الملعب وتظن أنك تحرز الهدف !!!!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات