هل سيفرّط الإسلاميّون بالتّاريخ ؟؟


إنتخابات الهيئة المركزية لنقابة المعلمين الأولى بعد غياب أكثر من نصف قرن – على علاّتها الإجرائية - هي إنتخابات نزيهة وشفّافة وفوق كلّ ذلك نسبة المشاركة الواسعة للمعلّمين والتي فاقت ال 77% , فلم تصل هذه النسبة في أيّ انتخابات نقابية كانت أو برلمانية , هي إذا كانت إنتخابات تاريخية بجميع المقاييس .
لقد سخّرني الله أن أكون مشاركا ومتابعا لحراك المعلمين منذ بداياته في عام 2010 , وقد كنت ألاحظ - كما لاحظ الجميع- بأنّ جبهة العمل الإسلامي ومن ضمنهم ( الإخوان المسلمين) لم يكونوا مشاركين في هذا الحراك – أي أنّهم تفادوا تلقّي االصّدمة ( الضّربة ) الأولى – من الدّولة , كما أنّهم ابتعدوا عن مواجهة الدولة في البدايات , فالمشاركون الحقيقيون منذ البداية كانوا المعلمين المستقلين والقوميين . لقد أصدرت جبهة العمل الإسلامي بيانا في البداية أعربت فيه عن تأييدها لحق المعلّمين في إعادة إحياء نقابتهم وهذا موقف يسجّل لهم , وكنت أتوقّع بعد إصدار هذا البيان أن يشاركوا بكلّ قوّتهم التنظيمية والتي لا تخفى على أحد في المطالبة بإعادة إحياء هذه النّقابة إلاّ أنّ ذلك لم يحصل !! . وبعد بداية المطالبة بأكثر من عام بدأت جبهة العمل بالمشاركة في فعاليات المطالبة والضغط ولكن كانت هذه المشاركة خجولة جدا لا تظهر مدى قوّة و تأثير جبهة العمل الإسلامي في الشّارع . لا أعلم الأسباب التي دفعت جبهة العمل الإسلامي للإبتعاد عن الصّفوف الإمامية , ولكنني كمشارك ومراقب في نفس الوقت كنت أتوقّع بأنّهم كانوا لا يريدون أن يظهروا بمظهر ( راكب الموجة ) وفضّلوا الإبتعاد عن الواجهة .
إلى أن أتت ساعة الحسم يوم الخميس الماضي 29-3-2012 وهذا يوم تاريخي أيضا يسجّل في تاريخ الأردن وليس في تاريخ المعلمين فحسب , وظهرت نتائج الإنتخابات فقد أظهرت هذه النتائج بأنّ جبهة العمل الإسلامي قد حصلت على نصيب الأسد من مقاعد الهيئة المركزية , أي أنّهم سيطروا بالأكثرية على هذه المقاعد , وقد ظهرت قوّة جبهة العمل الإسلامي التنظيمية والمادية في أوجها قبيل وأثناء إجراء هذه الإنتخابات , ولم تكن هذه القوّة خافية على أحد . أمّا الصفقات التي كانت تعقد مع القوميين أو اليساريين أو حتى أبناء العشائر فلا يوجد دليل قاطع على ذلك , مع أنّ عقد مثل هذه الصفقات ليس عيبا أو خيانة , وإنّما هي السياسة .
كلّ يوم بعد إعلان النتائج تظهر بعض التسريبات الإعلامية بأن ( الإخوان المسلمين ) لا يريدون أن يرشّحوا أحدا من كوادرهم لمنصب النقيب وإنّما سيسعون بكلّ تأثيرهم بدعم الأستاذ مصطفى الرّواشدة ( القومي ) لهذا (المنصب) تقديرا لجهوده – والأستاذ مصطفى الرواشدة يستحقّ هذا( المنصب) إن جاز لي التعبير- مع أنّ الأخ الأستاذ مصطفى الرواشدة يعلم بأنّ القادم أصعب ممّا مضى وأنّ هذا المجلس سيتحمّل إرثا وحملا ثقيلا لمعاناة المعلم والعملية التربوية والتعليمية استمرّت لعقود طويلة . ولكنّ التساؤل الّذي يدور في أذهان الكثيرين : - كيف ستفرّط جبهة العمل الإسلامي بتاريخ – أوّل نقيب للمعلّمين – مع أنّه بأيديهم أن يكون النّقيب هو أحد كوادرهم بعد سيطرتهم على الهيئة المركزية ؟؟ نعلم جميعا بأنّ جبهة العمل الإسلامي حاولت ونجحت في السيطرة على كثير من النقابات وكانت تدفع بجزء من ثقلها السياسي والإعلامي والمادي حتى توصل أحد كوادرها لمركز( النقيب) مع السيطرة على تلك المجالس , أي أنهم لم يتخلوا عن مركز القيادة ( النّقيب ) في كثير من النّقابات . وبقراءة تحليلية مبسّطة أعتقد بأنّ جبهة العمل الإسلامي ستضحّي بالتّاريخ – نقيب المعلّمين – وتتنازل طواعية للأستاذ مصطفى الرّواشدة ( القومي ) ليس تقديرا لجهود الأستاذ مصطفى والتي لا يختلف عليها إثنان ولكن لأسباب غير معلنة ( كما أعتقد ) و هي :-
أوّلا :- أنّ جبهة العمل الإسلامي تريد أن تظهر بمظهر المضحّي . فبما أنّهم سيسيطرون على مجلس النّقابة فلا ضير عندهم أن يكون النّقيب قوميا أو يساريا أو مستقلا , فهذا بنظرهم ليس الهدف , ولكنّ الهدف الرّئيسي هو السّيطرة على إصدار القرارات فلا مانع عندهم أن يكون النّقيب ( النّاطق الإعلامي ) لقراراتهم التي ستصدر من أيّ تيار كان .
ثانيا :- إظهار جبهة العمل الإسلامي للجميع بأنّها تقبل بمبدأ المشاركة مع أيّ تيار في الإنتخابات البرلمانية القادمة والّتي ستشكّل على ضوء نتائجها أوّل حكومة برلمانية منذ الخمسينيات من القرن الماضي . ومن الممكن أن يكون تخلّي جبهة العمل الإسلامي عن منصب نقيب المعلمين هو إشارة واضحة للحكومة بأنّها بدأت بالتّخلي عن المطالبة بتعديل المواد 34-35-36 من الدّستور , وخصوصا المادة 35 والتي تعطي الملك صلاحية تعيين رئيس الوزراء . أي أنّ انتخابات نقابة المعلّمين كانت بالنّسبة لجبهة العمل الإسلامي – بروفة – لتشكيل الحكومة البرلمانية المقبلة . فلا مانع عندهم – كما هو في نقابة المعلّمين – أن يكونوا مسيطرين على إصدار القوانين من خلال مجلس النوّاب ( المجلس التشريعي ) المرتقب ولا يأبهون من سيكون رئيس المجلس , كما أنّهم لا يأبهون من سيكون رئيس الوزراء المعيّن من الملك بما أنّهم سيكونون مسيطرين على مجلس الوزراء ( السلطة التّنفيذيّة ) .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات