وغادر أول الطيور عشّه


كنت في طفولتي استمتع بمراقبة الطيور ، وكان أكثر ما يشدّني حركتها الدءوبة لجمع القش وأجزاء الأغصان لعمل العش وكنت أدرك أن هذا استعداد لقادمين جدد إلى الحياة . ويستمر الرعاية والاهتمام وما هي إلا أيام حتى يبدأ الزّغب بالتّكوّن على الصغار وتبدأ محاولات الصغار الابتعاد عن عشّها ، وفي إحدى المرات كان الطائر الكبير الأب ( الأم ) يعود فيجد أن الصغار قد نقصوا واحدا فتبدأ رحلة البحث والقفز والانتظار ، إنها الأبوّة والأمومة .. فسبحان الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى!!
وهكذا نحن البشر نكد ونجهد لتكوين أسرة نحوطها برموشنا ونحميها بأهدابنا ونفديها بالمهج والأرواح ونحرسها بحبّات العيون . نتابع نموهم لحظة بلحظة ونتحسس أجسامهم وأعضاءهم شعرة شعرة ، نتدخل في كل تفاصيل حياتهم . ندّخرهم لضعفنا وكبرنا وحاجتنا . فإذا بالصغار يكبرون وتوشك الصغار أن تغادر أعشاشها . لقد رزقني المولى عز وجل بخمسة أبناء منهم بنت واحدة ، ورغم أن ترتيبها الرابع بين أخوانها إلا أنني و منذ صغرها يصيبني قلق وهمّ كبير عندما يخطر لي خاطر أنها ستغيب عن عيني يوما ما .
ويبدو أن الله عز وجل يريد دائما أن يكون ارتباطنا به وحده واعتمادنا عليه وحده وأملنا متعلّق به وحده ليعلم سبحانه وهو الأعلم بدواخلنا بأنه ليس في قلوبنا إلا هو سبحانه وأننا تخلّصنا من كل علائق الدنيا ليتحقق قوله سبحانه والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا .
فاليوم غادر أول الصغار عشّه وقد قويت جناحاه وكنت أظنّ بعاطفة الأبوّة أن الصغير سيبقى صغيرا أمام ناظري وحوالي ، ولكنها سنّة الحياة ودورة الحياة .. ألا تعلم يا بنيّ انه عندما صعدت إلى الطائرة وغبت عن عيني انّك قد أخذت قلبي معك .. في أمان الله يا ولدي وفي حفظ الله ورعايته .



تعليقات القراء

لقد ادركت
المبجل و ابن الاكرمين

الكاتب و الاستاذ

محمد بدر

لقد ادركت

سبب انشغالك

تمنياتي له

"بالتوفيق"

و الله العلي العظيم

يحفظه و يباركه
06-03-2012 07:54 AM
هذلول
المبجل و ابن الاكرمين

الكاتب و الاستاذ

محمد بدر



عمر الورود





في الشتاء ... أربعة أيام



في الصيف ... يومان فقط



هكذا قال لي بائع الورد.



إذن فعمر الورد قصير، لكنه خلال أيامه المعدودة يستطيع أن يصل إلى أرواح الذين نحبهم ليجعلنا نتوهج في أعينهم، و رغم أن عمر الوردة قصير إلا أننا لا ننسى الورد، لأن ذكرياتنا عن الورد لا تكون موجودة في العقل بل تتلألأ كنجمة في فضاء القلب مع بقية النجوم التي لا تموت ..


تسلل البرد إلى غرفتها، إلى قلبها إلى روحها، ارتعشت لكن ليس من البرودة، وضعت يدها على قلبها شعرت بالحزن لكنها لم تعرف السبب !



برنامج على التلفاز يروي قصصا واقعية، القصة اليوم غريبة، أم فقدت ابنها و هو صغير و التقت به صدفة بعد عشرين سنة، صدفة؟ بل حكمة.



ينتهي البرنامج بإهداء لكل أم بمناسبة (عيد الأم) الذي يصادف هذا اليوم.



تأثرت بما شاهدت، "الله يرجعك لقلب أمك سالم يا بني"



دعت في قلبها و قرأت المعوذات لتطرد الشياطين من قلبها.



أين هو الآن يا ترى ؟



قلبها تسابق مع يدها إلى الهاتف، اتصلت به ، لم يرد ، تسارعت نبضات قلبها أكثر رغم أنها تعودت ألا يرد عليها، عاودت الاتصال، فقلب كقلبها لا يعرف الاستسلام ... في سبيل من يحب.



بالرغم من أن إخوته الآخرين كانوا أطيب منه معها إلا أنها أبقت له مكانا خاصا في قصر شاسع المساحات تحوطه البساتين، هناك في قلب أم، أي أم جنة عرضها السماوات و ليس فقط تحت أقدامهن، هناك في قلب أم أي أم أطفال يلعبون بالمراجيح لا يكبرون أبدا.



مهما كبر مهما تغير سيبقى هو الطفل نفسه الذي كانت تحمله و تنظر في عينيه تتأمل بصمت،



هو نفسه الطفل الذي كانت تضحك عندما تراه يتثاءب مغمضا عينيه و يفتح فمه الصغير.



خرجت من الغرفة إلى الصالة، لماذا صار البيت مهجورا كئيبا يحتضر على فراش الوحدة؟



تقف بالصالة، بقربه و هو يخطو خطوته الأولى كطير يحاول الطيران لأول مرة،



يتعثر و يقع على الأرض، يبكي فتلف عليه أجنحتها الحريرية، تقبله لأن البلسم من شفتيها علاج كل الجراح الصغيرة، تغني له بصوت عذب خافت فيهدأ، تكلمه و هو ما يزال طفلا لا يفهم:



"مستعجل على الطيران؟ انتظر، ستطير يوما ما ..."



ها هو يجلس بين أحضانها تلاعبه,



تخفي وجهها بيدها عنه لحظة، فيستغرب، فهو لم ير خسوفا للقمر من قبل,



تكشف عن وجهها فيبتسم من جديد



تمر على باب البيت الحزين، الباب الذي فتحه ليخرج إلى الدنيا،



عند ذاك الباب الحزين تقف بالقرب منه في أول يوم له بالمدرسة، يبكي و يرفض أن يذهب لوحده، يتمسك فيها بقوة كأنها هي الأرض و أن فضاء أسودا مظلما شاسعا يريد أن ينتزعه منها و يجذبه نحو أعماق المجهول، مرت سنين كالبرق انظروا إليه لآن لقد كبر يتركها دون أن يستأذن منها حتى !



الآن صار يستطيع أن يستسلم لذاك الفضاء المظلم بكل أريحية و يترك أرضه الزرقاء بلا أن يلتفت للوراء، و يبق الباب حزينا تخرج من جسده الطاعن في السن أياد وردية لأمهات كأغصان شجر تبحث عن شمس قد رحلت.



أغلقت الباب الذي انفتح بفعل الرياح ربما أو بفعل الذكريات، صعدت الدرج، دخلت غرفته، على مكتبه وجدت كتابا باللغة الانجليزية موضوعه هندسة الطيران!



"لازلت تريد أن تطير؟ "



حدثت نفسها،



"تريد أن تطارد أحلامك ؟ لكنك عندها ستبتعد عني"



للأحلام بشاعة لا يبصرها صاحبها، متى ما سلك طريقها ابتعد عن أشخاص كان يسكن قلوبهم، فإذا وصل أبصر.



سقطت دمعة من سماء قلبها على ورقة شجر في بستان من بساتين قلبها كان موجودا فيه يلعب، دمعة لم يرها أحد، تحركت الدمعة على متن ورقة الشجرة، هوت في الهواء لفترة ليست بقصيرة، سقطت على غلاف الكتاب، على صورة الطائرة، فتحت الكتاب، تصفحته، رفعت بصرها فرأت طفلها أمامها جالسا، نظرت للكتاب مرة أخرى، صار كتابا قديما منسيا يعود لسنين مضت، " أنا سالم و أختي عبير"، رفعت بصرها من على الكتاب مرة أخرى، ها هو أمامها يحفظ و يسمّع النشيد بتململ، و ما إن كاد ينتهي حتى قفز بحماس على ألعابه ليلعب مع تلك الألعاب لعبة قدرية متناسيا كل من حوله، متناسيا ملاكا يرمقه بنظرة رقيقة، يلعب لعبة قدرية تنسيه كل شيء كل شيء، فيلعب و لا يعي نبضات قلبها التي تطوف حوله في حج مقدس يبدو أنه أزلي لا تذكر متى بدأ و يدوم مادام قلبها ينبض فإذا توقف قلبها يوما أكملت أصداء تلك النبضات الحج المقدس، العاب قدرية سيستبدلها بعد زمن قصير بألعاب أجدد منها و أحلى، العاب قدرية تكبر معه و تتغير أشكالها و أحجامها لكنها هي ذاتها لا اختلاف، قابلة للتبديل تشغله عن أشياء أهم، ألعاب قدرية بدأت معه صغيرة و كبرت، فتلك السيارة الزرقاء الصغيرة صارت سيارة زرقاء حقيقية الآن يقودها حيث يشاء، نقود لعبة المونوبولي الملونة صارت نقودا حقيقية تملأ جيبه و عقله، العروسة الصغيرة صارت فتاة سيتزوجها و الفارس ذو السيف صار هو، تلك الأشياء هي ذاتها الألعاب الصغيرة التي تلهينا عن الأشياء الأجمل و الأروع ... و الأبقى.











أمام سيارتي الزرقاء المهشمة، لم يعرف أحد من الذي تهشم قلبها هي أم السيارة،



وردة بيضاء تساقطت أوراقها لازالت على قيد الحياة رغم الحادث



كنت سأهديها الوردة اليوم في ذكرى عيد الأم ...



كانت أمنيتي أن أهديها الوردة، لكن عمر الورد قصير...



في الشتاء ... أربعة أيام



في الصيف ... يومان فقط



هكذا قال لي بائع الورد ...



جراسا و المحرر المبجل

شكرا
رد من المحرر:
العفو وصباح الخير والورد
06-03-2012 07:59 AM
محمد بدر
الى هذلول
الحبيب الذي لا أعرفه
واشعر بقربه مني
جمعنا الله على غير معرفة
وغير ارحام الا رحم الدين والوطن
وانعم بها من محبة وعلاقة خالصة
لذلك كما اخبرنا الحبيب عليه الصلاة والسلام
بأن من الأدعية المجابة
دعاءك لأخيك بظهر الغيب

جزاك الله عني خير ما جازى مولى لمولاه
لقد أبكيتني يا أخي
حفظك الله وابناءك وعائلتك
واتم عليك نعمته
والبسك ثوب العافية
ومتّعك بما آتاك
ايها البعيد القريب
06-03-2012 01:05 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات