إلى الملك: سنتقبلها بكل صَدرٍ رَحبْ !


يُعرف الفساد وحسب المفاهيم العامة المتفق عليها أنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلما ودون وجه حق ، ومعجم أكسفورد الانكليزي يعرفه بأنه إنحراف أو تدمير النزاهة في إدارة الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة ، وسياسيا يعرف بأنه استخدام السلطة العامة ( الحكومة ) من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة والابتزاز والمحسوبية والإختلاس .
وفي السبعينيات عندما قررت الصين أن تتحول الى اقتصاد السوق الحرة قامت بوضع قانون لحماية المال العام يتمثل في تطبيق قانون الإعدام لكل من يتطاول على المال العام وبالتالي على حلم الأمة الصينية في الوصول لمصاف الدول الكبرى ، وهذا القانون وضع منذ زمن طويل في كلا من اليابان ودول شرق أسيا ، وهنا نحن لانريد أن نضع الغرب مثال ونكتفي بجيراننا من الشرق .
ومن التعريفات السابقة لكلمة فساد وطريقة حماية المال العام في تلك الدول نجد أننا في الأردن تعاملنا على أساس حسن النية الملكية النابعة من الثقة برجال الحكم كون الإختيار قد تم من قبلها وبدون قوانين جديدة تسن لحماية هذه الحالة من الانفتاح والخصخصة، وكانت نتائج حسن النية تلك ما أصاب البلد من فساد عم وطم وبعد إثنى عشر عاما أصبحنا نبحث عن مفهوم جديد للفساد يتماشى مع التجربة الأردنية المتميزة في هذا المجال وإخراجه من معنى سياقه اللغوي ووضع مبررات وخلق جو من الاحتقان والترقب في الشارع وإنتظار قطار مال الفساد الذي رحل كإنتظار جودو الذي لن يأتي .
وهل من الصعب على القيادة الأردنية أن تقر للشعب أن هذه الاختيارات تمت من قبلها وعلى قاعدة حسن النية ، وأنها وجدت نفسها الجهة العليا الملامة من قبل الشعب بهذا الفوضى من الفساد مع أنه بالامكان لو أقرت تلك القيادة بأنها تتحمل مسؤولية السنوات الأثنى عشر الماضية وتبعاتها لربما أعطاها الشعب عذرا وتقبل كل الجهود المبذولة من قلبها في مكافحة فساد السنوات الأثنى عشر العجاف بكل صدر رحب.
وهنا نحاول أن نفسر عدم القدرة لدى القيادة العليا للبلد أن تقر بذلك الخطأ للشعب ، وهذا يعود لعدة أسباب من أولها أنها كقيادة إكتفت بالتنقل بين أرجاء الوطن بلباس التخفي لفترة زمنية قصيرة ومن باب أن هذه الطريقة ربما تخيف الأخرين وتضعهم في دائرة المراقبة من السلطة العليا ، وهنا نسيت تلك القيادة أن هذا الاسلوب في الرقابة لايجوز وجوده في دولة لها أجهزتها الرقابية والمحاسبية والتي يفترض بها أن تفعل أدواتها في الرقابة مع بدء مشاريع الخصخصة وبيع ممتلكات الوطن لشركات أجنبية ، وكان الأجدر بها أن تضع غرف صنع القرارات الاقصتادية والسياسية تحت رقابتها وليس أصغر دوائر التنفيذ الخدماتية كالمستشفيات وغيرها ، ونتيجة للطريقة السابقة في الرقابة مارست القيادة العليا نظام الزيارات المتباعدة للوطن للحد الذي تسأل به الناس كثيرا ( أين الملك ..؟ ).
وثاني هذه الاسباب هو في إختيار الاشخاص المؤتمنين من قبل تلك القيادة على هذه المرحلة ، ولو قمنا بتتبع الاسماء التي ينادى الأن بمحاسبتها على الفساد لوجدناها أسماء مفردة بل أنها لاتملك أية أمتدادات وطنية وكأنها قطعت من كوكب أخر ووضعت في مناصب القرار الاقتصادي والسياسي ، وتعاملة هذه الفئة المنتخبة من خلال القيادة العليا مع تلك المرحلة على أساس أنها جمعة مشمشية والشاطر الذي يأخذ ويهرب ، وفي ظل عدم وجود الروابط الوطنية لديها أبعدها ذلك كثيرا عن المحاسبة سواء الوطنية أو التاريخية وجعل هؤلاء الاشخاص يصنعون لأنفسهم أدوات من الحماية تبعد عنهم عيون الشعب والجهات الرقابية وخصوصا السلطة الرابعة بما لها من تأثير على رقابة أداء الحكومات وأذرعها التنفيذية .
والنوع الثاني من أدوات هؤلاء الاشخاص تمثل في خلق مجالات إستثمارية فرعية للعديد من مؤسسات الوطن بهدف وضع أبناء رعيتها وأجهزة حمايتها بها كسلطات مستقلة وتحقيق دخول مالية مرتفعة لهم ، وعلى قاعدة أن الخير سيعم وفي نفس الوقت توسيع قاعد شبكة الحماية والدفاع من خلال تنوع مصادر تمويلها .
وثالث هذه الاسباب يعود الى الثنائية العائلية في الأجهزة الحكومية العليا وعلى مستويات كثيرة ، منها إزدواجية في وجود شخص على رأس السلطة التنفيذية واحد أفراد العائلة يعتلي رأس السلطة الأمنية أو وجود شخص في سلطة تنفيذية فرعية وفي نفس الوقت يوجد شخص أخر في سلطة إما إستشارية أو كمرجعية للقرار السياسي والإقتصادي ، وقد تعددت هذه الحالات على مدار السنوات الإثنى عشر الماضية ولوحظت من قبل الشعب ولكن لم يكن هناك من يسمع للشعب ؟.
ورابع هذه الاسباب وربما هو السبب القاتل فيها هو تغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والرقابية الى حد التدخل في صناديق الإقتراع ، وبروز طبقة من المنتفعين إقتصاديا مع قوة النفوذ السياسي في داخل السلطة التشريعية والرقابية وعلى قاعدة أن الكعكة تكفي للكل وليس هناك من داعي للتقاتل عليها ، وكانت النهاية بمجالس نيابية قصيرة العمر محملة بإرث من الفساد جعلت تلك السلطات التنفيذية تعترف وفي أكثر من مرة على أنها قامت بتزوير وصول اعضاء هذه المجالس لمقاعدها التشريعية والرقابية ، ولم تحاسب تلك السلطات التنفيذية مع أنها إعترفت علنا بذلك وهذا أسقط الثقة لدى الشعب بحسن الإختيار الملكي لشخوص الدولة ككل .
وخامسا يتمثل في تعدد مصادر المعلومات التي ترد للقيادة العليا من الحاشية المحيطة بها ، وأدى ذلك الى عدم وضوح الرؤية الملكية للواقع الأردني نتيجة لكون هذه الحاشية كان يوجد لها إمتدادات داخل السلطات الثلاثة كافة وجعلها ذلك أداة إيصال صورة تتماشى مع ما تريد تلك السلطات أن يصل للملك ، وهذا أيظا يعود للإختيار الفردي لتلك الحاشية أو ربما لأن مصدر المشورة للقصر عنهم كان لايخرج عن أدوات الحماية الذاتية لتلك الفئة من الرجال .
وخلاصة الحديث هنا وبعد أن تيقنت القيادة العليا لدينا بأن البلاد قد وصلت للخط الأحمر من الرضى الشعبي عليها وعلى قرارتها ، إذا المطلوب هو إعتراف علني وللشعب أنها قد أخطأت طوال السنوات الإثنى عشر الماضية وبأنها على إستعداد للعودة لصوت الشعب والشارع اللذان لن يتخليا عنها والسير معها وبها نحو الاصلاح السياسي لأنها تمثل لهم المرجعية الشرعية في بقائهم والركيزة الأقوى لبقاء الوطن ككل بأرضه وشعبه وقيادته وسنتقبلها بكل صدر رحب أيها الملك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات