الفاسد يرفع ايده


في المجتمع الفاسد، أنت واحد من ثلاثة:

- اما ان تكون فاسدا وركنا من أركانه.

- او جزءً من منظومة فاسدة - دخلتها رغم انفك- وتمارس دورك الفاسد دون ان تشعر بذلك احياناً.

- او محارباً للفساد.



حتى الذين ينتمون للمجموعة الأولى لا يعتبرون أنفسهم فاسدين، او هم يقنعون أنفسهم أن الفساد الذي يرتكبونه هو جزء من نظام و«اخلاق» المجتمع!.. والثقافة الشعبية تقول له (خلك ذيب) كن ذئباً ولا يفوتك نصيبك من الفريسة/ المال العام/ مناقصة/ مشروع ينجز بطريقة سيئة لكي ترتفع الفائدة/ واسطة للحصول على وظيفة أو أرض.. وهكذا، ولا تكن «رخمة»!

كما ان الثقافة الشعبية توصيه ﺒ(إذا سرقت.. اسرق جمل) ولم تقل له: لا تسرق!

أغلب اللصوص في العالم يستطيعون ابتكار ألف عذر وعذر لأنفسهم، ويجيدون عملية إخماد نيران الضمير وتأنيبه المزعج.. بل يستطيعون تلوين الشر ليصبح أجمل من الخير وأكثر جاذبية!

في المجتمع الفاسد.. يتحول الفساد إلى «ثقافة» ويبتكر لنفسه آليات.. يصبح هو الأصل في طرق التعامل وهو المفتاح لكل الأبواب وهو الحل الوحيد لإنجاز كافة المعاملات!

بعد فترة سيقوم ذلك المجتمع، بتلطيف كلمة «الفساد» واستبدالها بكلمات اجمل.. ومن المحتمل أن يقوموا بتدليعه باسم محبب للجميع!

في الغالب، أنت لست من المجموعة الأولى (لعل الظروف لم تساعدك!) لأنه في المجتمع الفاسد إذا سنحت لك الظروف لتشارك الجمع غنائمهم ستفعل.. أو ستُطرد وتعاقب لشذوذك عن السائد!..

أنت لست من هذه الفئة الخاصة (الفاسدة بوضوح) والتي تلتهم الملايين بسهولة.. وكذلك، احتمال كبير، انك لست من الفئة الثالثة التي تحارب الفساد.. وحتى لو فكرت بالانضمام إلى هذه الفئة ما القوة التي تمتلكها لفعل هذا، وما هي الآليات المتاحة، وهل هنالك مؤسسات تستطيع العمل معها؟.. إذن انت مثل الغالبية العظمى تنتمي للفئة الثانية.. تلك التي ترتكب الفساد دون أن تشعر، وتمارسه كعادة يومية، وتشكل الغالبية العظمى التي تجعل المجتمع فاسداً:

ترشي.. وتجعل الذنب على «المرتشي» الذي: اجبرك على إنجاز أعمالك بهذه الطريقة!

تتجاوز الطابور.. وتسخر من ثقافة «النظام».. وتتحايل لابتكار أي طريقة توصلك لما تريد الوصول إليه.

تبحث عن احد أقاربك أو معارفك لإنجاز أتفه معاملة يمكنك إنجازها خلال دقائق.. ودون الحاجة إليه.

ترى الفساد أمامك/ وراءك/ يمينك/ شمالك.. وتهز كتفيك بلا مبالاة، وتردد: «وأنا وش دخلني»؟!

لو أعلن عن «حافز «للخريجات.. سابقت أولياء أمورهن لتسجيل بناتك معهم:

تقبل أن تعمل بوظيفتين وثلاث وتتحدث آخر الاسبوع أمام الملأ عن الأمانة والنزاهة دون أن يهتز لك طرف!

تنحاز لابن قبيلتك/ منطقتك/ طائفتك.. وتنزع حقوق الآخرين لتمنحها له، وترى انك تقوم بعمل نبيل، ويرى مجتمعك الصغير فيك مروءة وشهامة و«فزعة» وانت لست سوى فاسد تحت التمرين!

إن سنحت لك الفرصة لأخذ اكثر من حقك لن تتردد بأخذه.. وتردد «رزق من الله.. اقول لا يعني»؟!

تعرف كل الفاسدين في مدينتك وتصافحهم بحرارة عند كل محفل.. والابتسامة من الأذن للأذن!

تنظر لأي شيء يأتي من الدولة على أنه «غنيمة» إن لم تأخذها أنت سيأخذها غيرك.. وتسابقهم لانتزاعها.

ان كنت إعلاميا: تكتب ضد الجهة الفاسدة (لزوم الجماهيرية) وفي اليوم التالي تلبي الدعوة لحضور حفلهم الكبير، وتقبل هداياهم!

قل لي: متى حاربت أي شكل من أشكال الفساد التي - تراها كل يوم- بشكل حقيقي؟.. ورفعت صوتك لرفضه.

أو على الأقل: متى رفضت أن تكون جزءً - ولو صغيراً- من عمل فاسد؟

سترفض مثل هذه الأسئلة، ستحاول أن تبتكر تبريراً يضع اللوم على غيرك، ستبحث عن عبارة موروثة تضع اللوم عليهم، وتنسى العبارة الأخرى التي تضع اللوم عليك..

في المجتمع الفاسد.. انت امام احتمالين:

اما ان تحارب الفساد بما تستطيعه، او ان تكون جزءً منه.. حتى بصمتك عليه!

ولا حل للفساد إلا قانون يطبق على الجميع.. يضرب الفاسد الكبير علانية ليدب الرعب في قلب الفاسد الصغير.. وتتحول «النزاهة» الى ثقافة شعبية وحكاية يدرسها الأولاد في المدارس، بدلاً من ثقافة «لك ولاّ للذيب»!!



تعليقات القراء

حمدي
كلام واقعي وواقع مؤلم
17-02-2012 11:31 PM
محمود الكردي
اصبح الفاسد يفسد بدون ان يعلم انه فاسد
والله حياتنا كلها فساد
17-02-2012 11:49 PM
حسين مناور
كلام رائع اخ ابو محمد وبالفعل نحتاج لتغيير ثقافتنا لاجتثات افة الفساد

والله الموفق
18-02-2012 01:19 AM
حسين مناور
كلام سليم اخ ابا محمد ، ونتمنى ان نغير من ثقافتنا لنصبح بمستوى المسؤولية لنتمكن من اجتثاث الفساد

والله الموفق
18-02-2012 01:33 AM
صقر1
والله كلامك وقعي وكله جواهر..فهذا موضوع يعالج قضايا احتماعية وكلة فائدة وحكم لمن ارد ان يصلح نفسة ومجتمعة ..نرجو منك ان تكتب عن مواضيع ومشاكل اجتماعية اخرى وجزاك الله خيرا.واطعمك لحم طير. وزوجك من الحور العين.
18-02-2012 11:51 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات