هكذا يحقن المواطن الأردني بالفساد –(2) – المدرسة


بسم الله و الصلاة و السلام على نور عيني رسول الله و بعد:

قال تعالى: تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"…

و قال أيضاً : "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"

لم يأت الفساد على أيد مخلوقات غريبة من الفضاء هاجمت الأردن، و إنما هو مجموعة من القيم الفاسدة و السلوكات الشاذة و التي نمت و تحصنت في النفوس شيئاً فشيئاً بصورة من صور الفساد المتعددة.

ما يؤرقني كثيراً و ربما يؤرقكم! أن الحصون الثلاثة المعدة للحماية من الفساد (الأسرة، المدرسة، المجتمع) صارت مراتع خصبة و بيئة مناسبة جداً لنموه و انتشاره – و هذا على وجه التغليب لا التعميم-.

في حلقتي الأولى تكلمت عن كيفية انهيار الحصن الأول (الأسرة) و كيف نعلم أبناءنا الفساد عملاً لا قولاً في الوقت الذي نطالبهم فيه بالابتعاد عن كل فساد و فاسد!

و حديثي اليوم في حلقتي الثانية من مسلسل الفساد عن الصرح العظيم الذي أعد للتربية و التنشئة الصحيحة و الذي يستقبل أبناءنا أطفالاً و يخرجهم رجالاً، و عن شموس الدجى و منارات الكون المشرقة و التي يفترض أنها تبني أجيالاً قوية تبني مستقبل الأمة.
قال حبيبي محمد صلى الله عليه و سلم: ((كلكم راعٍ و كلكم مسؤول عن رعيته...)) .. و قياساً أقول: و المعلم راعٍ و هو مسؤول عن طلابه.. مسؤول عن الأمانة التي حملها.. مسؤول عمن هو متروك بين يديه كل يوم لينشئه التنشئة السليمة.. و قبل أن أبدأ ببيان كيفية اختراق طوفان الفساد لأجزاء من هذه المؤسسة العظيمة و أثر ذلك على *المتلقين* و هم أبناؤنا الطلاب الذين ينظرون لمعلميهم كقدوة في كل شيء، أستبيحكم عذراً أن أعتذر مسبقاً من إخواني و زملائي بناة الأجيال و صانعي المستقبل، فالصور التي سأرسمها تنطبق على عدد محدود فقط و لا تمثل بأي شكل القيم النبيلة و العطاء المستمر للمعلم المخلص المتفاني الحريص على تنشئة قادة قادرين على اكمال المسيرة و النهوض بالوطن .. و لكن لكل قاعدة شواذ، و إنما أشير إلى فجوات و صور سلبية من أجل أن نتكاتف لردمها و استبدالها بصور مشرقة.

و دعوني أتساءل الآن:

- كيف نمضي ساعات نتحدث لطلابنا عن العدل و العدالة و نحن نضع لبعض الطلاب علامات أعلى فقط لأنهم من أقاربنا؟ ألا نخجل من طلابنا حينها؟

- كيف نحث الطلاب على دفئ اللسان بينما ننهال على المسيء منهم بأسوأ و أقسى العبارات؟ أم هو موعد حقنة الألفاظ البذيئة؟


- كيف نطالب طلابنا بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين و نحن نعتدي على وقت حصتهم بإشعال سيجارة أو مكالمة هاتفية أو شرب كوب من الشاي؟ كيف نتوقع أن يستمعوا لنا بعدها؟

- كيف نطالب طلابنا دوماً بالحرص على النظافة و نعدد لهم الأحاديث النبوية و الأقوال المأثورة ثم نرمي أوراق النفايات و أعقاب السجائر في الساحات أمام أعينهم؟ أي حقنة هذه؟


- كيف نحث طلابنا كل يوم على الالتزام بالدوام و الحفاظ على النظام و نحن نذهب للحصة بسرعة السلحفاة و نغادرها كمتسابقي الماراثون، و لا نضيع فرصة لمغادرة المدرسة قبل انتهاء الدوام! أهكذا تكون القدوة الحسنة؟

و الصور كثيرة .....

ألا تغرس كل تلك الصور فساداً في نفوس طلابنا؟ ألا يجدر بنا أن نلتزم فعلاًُ بما نحثهم عليه لنصون أنفسنا و نصونهم من مارد الفساد؟

و لأننا المعلمون نحن القادة لسفينة تقدم الوطن فيجب علينا أن نرضي الله و نرضي ضمائرنا و نوصل هذه السفينة لبر الأمان و لا نكون نحن المغرقون لطلابنا.

بقي أمر أخير أعرج عليه ضمن حلقتي هذه لأهميته الكبيرة و هي الجرعة الأخيرة و لكنها الأكبر من جرع الفساد خلال المدرسة و التي لربما تكون الجرعة القاتلة و هذه الجرعة هي "امتحان الثانوية العامة" (التوجيهي)
الذي صار يتحول شيئاً فشيئاً من امتحان يفرز الأفضل و الأقدر ليشغل ما يناسب قدراته و جهده إلى مسابقة في الغش و الفوضى و تحطيم لمبادئ و قيم النزاهة و الشفافية و العدل و المساواة في نفوس بناة الغد.

كان من السهل جداً في السابق أن نحزر من سينجح و من سيتفوق و من لن يتمكن من النجاح في امتحان الثانوية، و كنا مقتنعين تماماً بالقاعدة (من جد ... وجد) و لكن و للأسف انحدر مستوى امتحان الثانوية إلى الحد الذي صار يستوجب تغيير القاعدة إلى ( من غش ... وجد) و للأسف فالمساهم الأكبر في تطبيق هذه القاعدة نحن المعلمون، فتأخذنا أحياناً الشفقة في غير محلها، و نخجل أحياناً من قريب أو صديق قد أوصى على ولده، و ننسى أننا بذلك نكون قد حطمنا كل القيم التي حاولنا زرعها في نفوس طلابنا خلال 12 عاماً من نزاهة و أمانة و إخلاص...

هل بذلك نحن نربي طلابنا على هدي نبينا صلى الله عليه و سلم و حديثه صلى الله عليه و سلم: ( من غش فليس منا..)
و هل بعد هذا ستكون هناك قناعة لدى الجيل القادم بقاعدة (الشخص المناسب في المكان المناسب) ؟
و قبل أن نعلق على فساد الوزير الفلاني و المسؤول العلاني دعونا نسأل أنفسنا بداية: ألم نسهم نحن المعلمون في إيصال الأشخاص غير المناسبين لدوائر صنع القرار ؟

أترككم عند هذا التساؤل و أعتذر للإطالة، و لأكمل معكم –إن شاء الله- في مقالة جديدة و حلقة أخرى من حلقات بناء الفساد في مجتمعنا.

اللهم أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه.. و أرنا الباطل باطلاًُ و ارزقنا اجتنابه
و الحمد لله رب العالمين




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات