"المعلم و الطالب" و "حلبة المصارعة"


الحمد لله و الصلاة و السلام على حبيبي رسول الله و بعد:-

الحصة الصفية و الجولة في حلبة المصارعة .. للأسف أقول: ما أشبه هذه بتلك!

كلاهما يبدأ بقرع الجرس و ينتهي بقرعه.. و العلاقة الندية العدائية موجودة في الصورتين .. فكلاهما حريص على السخرية من الآخر و الاستخفاف به و إهانته و التغلب عليه، و أنا هنا لا أبالغ .. و أسأل كل من هو قريب من المجتمع التربوي هل تبدو لك بعض العبارات التالية مألوفة من المعلم أو من الطالب؟
فنسمع من المعلم أقوالاً -متباهيا أمام من يسمعه-
مثل: "ولا طالب بسترجي يفتح ثمه عندي"
أو " لطشته كف عميت ضوه"
أو " بحصتي الكل برجف،بترمي الإبرة بتسمع رنتها"
... إلى غير ذلك من العبارات المريضة و التي تلغي إنسانية الطالب و كرامته و دوره و حقه في المشاركة في الرأي و الحوار، وكأنه نسي أنه موجود في المدرسة فقط لأجل الطالب،و كأنه نسي أيضاً إن هذا الطالب مهم كبر فهو في النهاية "طفل" .. و ما هكذا يعامل الأطفال!!
و على الجانب الآخر من الحلبة تسمع عبارات تتبعها قهقهة و سخرية يطلقها بعض الطلاب عن معلميهم فتسمع أحدهم يقول مثلا:
" قلبتبه الحصة مسخرة"
أو " حكيتله إذا بتمد إيدك بقطعها"
أو " والله ما بسترجي يطلع في" .... الخ من هذه العبارات المشينة، و كأن الطالب يتحدث عن عدو لدود أو خصم عنيد، و كأنه نسي أن المعلم قد فارق لذة النوم، و قطع المسافات، و ترك أهله و أبناءه و أهله، و جاء يلوث يديه بالطباشير، و يبح صوته من كثرة الصراخ و التفسير, و يئن ظهره و معه ساقيه من طول الوقوف، و عقله من كثرة التفكير .. فقط لأجلك أيها الطالب
*** و يقرع الجرس في نهاية الجولة بخسارة الطرفين***
فلا الطالب استفاد من جهد المعلم و لا المعلم قطف ثمار ما قدم.
و اسمح لي عزيزي القارئ أن أوجه هنا رسالتين، الأولى لزملائي المعلمين، و الثانية لمجتمعنا الكريم.
-فأقول لكل معلم: أنت الأساس و حجر الزاوية في تغيير هذه العلاقة "العدائية" أو "الندية" بين المعلم و الطالب؛ لأنك الطرف الأكثر نضوجاً، و لأنك "المعلم" فيجب أن تكون القدوة و الأنموذج و الأقدر على تحويل هذه العلاقة إلى علاقة ودية تقوم على الاحترام المتبادل، فتتفهم مشاكل طلابك و ظروفهم و تتلمس جراحهم و تداويها فأنت الأقدر على ذلك، ولا تغضب من سذاجة بعضهم أو بساطتهم ولا تنس قول الحبيب صلى الله عليه و سلم:" من كان عنده صبي فليتصابى له" أو كما قال صلى الله عليه و سلم، فلا تهزأ برأيه و لا تحقرنه أمام زملاءه، ولا تصده إذا لجأ إليك .. و عندها ستجد طالباً آخر، محب، مخلص، متفهم،يبدع في مادتك و يحترم كل كلمة تقولها.
و *** تذكر *** الطالب أمانة في يديك، فإما أن تصنع منه معول بناء و شعلة تضيء لمن حولها، و إما أن تجعل منه بيتاً خرب، فاختر أي الأمرين تحب!
- و رسالتي للمجتمع ككل و للأسف فقد غدا كثير من أفراد المجتمع عبارة عن جمهور يشجع الفائز في جولة المصارعة، و ترى كثيراً من الأسر لا تلقي بالاً لتربية أبناءها و تعريفهم بالدور العظيم و الرسالة المقدسة للمعلم، فأقول لهؤلاء: ألا تعلمون أن الله قد رفع من قدر العلم و العلماء فقال جل و علا: "يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ".
ثم جاء أفضل البشر يبين فضل العلم و العلماء حتى على العابدين فقال صلى الله عليه و سلم:

"فَضلُ العَالِمِ على العابدِ كفَضلِي على أدنَاكُم، وإنَّ اللهَ وملائكتَهُ،

حتَّى الحيتان فِي البحرِ ليُصَلُّونَ على مُعَلِّمِ الناسِ الخيرَ"
فهل صارت حيتان البحر أفضل منا ؟
ثم جاء الشعراء و الحكماء يسهبون في الثناء على المعلم و فضله حتى ذهب أحدهم للقول: "من علمني حرفاً كنت له عبداً" ثم قارب الشاعر مكانة المعلم من مكانة الرسل حين قال:
قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولاً"
فإذا كنا نريد لمجتمعنا صلاحاً فلا بد من أن نغرس هذه القيم في صدور أبناءنا لنصلح العوجاج المشين في العلاقة بين المعلم و الطالب، و من ثم نصلح حال المجتمع ككل، فهذه العلاقة هي أساس العلاقات المجتمعيةأ لأنها العلاقة التأسيسية، فإن خرب الأساس فقد وقع البناء.

و أخيراً أقول: الخير في أمة محمد صلى الله عليه ة سلم دوما و أبداً، و ربما يظن البعض أني قد بالغت، و لكني ممن يعيشون في البيئة التربوية، و أظن من يعيش المرض أقدر على تشخيصه، و لكن هذا لا ينفي مطلقاً أن لدينا معلمين هم بلسم يداوي جراح طلابهم، و في الطرف الآخر لدينا طلاباً هم أقرب للملائكة من البشر، و لكن حلمي أن يكون هذا هو الغالب و الدارج عندنا

أشكر الجميع لسعة صدوركم لقراءة مقالتي و أعتذر إن أطلت أو أخطأت، و إنما طرقت الموضوع لأهميته في بناء المجتمع، فلو تغيرت العلاقة "المريضة" بين المعلم و الطالب لصار للتعليم في الأردن مذاق أطيب و رائحة أزكى، و عقول أنقى، و سواعد عمل أقوى.
أشكر إدارة الموقع و المحرر الفاضل على نشر المقالة
و السلام عليكم و رحمة الله.



تعليقات القراء

د.نشات
يا سيدي الا تعلم ان هناك خطة ممنهجة حتى يتخرج الطالب ويكون جيل فاسق تنقصه الحكمه والاراده والاداره والاحترام يا سيدي ان الله سبحانه وتعالى خلق الليل والنهار وصيف وشتاء وجنة ونار تخيل يا سيدي لو ان الله تعالى خلق جنة ولم يخلق نار ماذا سيحدث يا سيدي كنت اتمنى لو انك قرأت بقوانين البطاقات بحق المعلم كله ممنوع ممنوع ممنوع يا سيدي ويا سيدي ويا سيدي اني اتالم بحق هذا الجيل ..التائه وهو من صنع قوانين نحن وضعنا مقلدين الغرب لي صديق معلم باحد المدارس بالزرقاء ذهبت احضر عنده حصه اه ثم اه يا ليتني لم اذهب صف عدده 47 طالب اجزم واقسم انه لا يوجد بينهم من يستوعب سوى ثلاثه او اربعه والويل ثم الويل ثم الويل للمعلم اذا قال لذاك الطالب اصمت
25-12-2011 08:47 PM
سناء
فقط بكل بساطه انا كمعلم احترم الطالب ليحترمني
25-12-2011 10:09 PM
الطالب سمير
انا طالب صف عاشر صراحه المعلم عندنا مظلوم لكن مين ظلمه؟
26-12-2011 08:39 AM
هذلول
الكاتب الكريم:

ما تفضلت به(و خاصه عدم احترام الاخر)هو جزء من التراث الاجتماعي و الثقافي لشعبنا (الكريم)

مع عظيم مودتي و احترامي

و شكرا لجراسا
26-12-2011 03:43 PM
إلى د. نشأت
بداية أشكر لك التعليق د. نشأت.
ثم أود أن أذكرك.. جميع المهن فيها ما فيها و عليها ما عليها .. و انا معلم، و اني و زملائي حين اخترنا هذه المهنة لم نتوقع طريقاً مفروشاً بالزهور.. و لا تنسى يا سيدي أن "رجل ذو همة.. يحيي أمة"
أتفق معك في أن وضع المعلم صعب و أن التشريعات تضيق عليه كثيراً، و لكن هذا لا يعني أن نستسلم، و يجدر أن لا ننسى أن الطلاب هو ليس من جاء بتلك التشريعات.. و بالتالي لا يجدر بنا أن نفرغ غضبنا من ذلك الطلب في مستقبل أبناءنا .. أجدد شكري لك و دمتم بحفظ الله
مالك المومني - كاتب المقال
27-12-2011 03:13 PM
مالك المومني
ست سناء: هذا بالظبط مخ رسالتي للمعلم.
الطالب سمير : أشكر لك قراءة التعليق و أتفق معك تماماً .. ظلمنا من يضع قوانيناً و أنظمة لا يعيشها و إنما يستوردها، أتمنى لك النجاح و التوفيق
هذلول: هذا لا يعني أن الأمر منزل غير قابل للتغيير .. فكل ذي عاقل قادر على التغيير للأفضل.. أشكر لك مشاركتك، مع كل الحب.
27-12-2011 03:17 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات