قاعدة أرخميدس وتطبيقها على الشعوب


لا أحد منا يجهل معلومة ما ترمي إليه هذه القاعدة .. فكل من أنهى الابتدائية يكون حتما على معرفة تامة بهذه النظرية بتفصيلاتها .. وللتذكير بما جاء بها حرفيا أعيد كتابتها ههنا وهي تقول : كل جسم يغمر في سائل يفقد من وزنه بمقدار وزن الماء الذي أزاحه .
أحببت وبموازاة هذه النظرية أن أطبق ما جاء بمضمونها على الإنسان العربي في هذه الأيام .
فالإنسان في عالمنا ، بات في ظل ما يسمى بالربيع العربي ، الذي ملأ الدنيا نعيقا واضطرابا ، رخيصا وضئيلا إلى الحد الذي لم يعد بالمستطاع إبصاره بعين الحقيقة ، مع ما يعانيه من سلبيات الصراعات العقدية والدينية والخلافات ، كما بات أيضا يصارع التيارات المتعاكسة في المنطقة ، ففي كل يوم نجد أن هذه التجاذبات غير المتوازنة أدت إلى ظهور قوى جديدة تحاول أن تنصب من نفسها قوة صاحبة نفوذ ، بحيث لا تكافئها قوة في العالم كله ، بل أرادت أن تنصب نفسها كعصا سحرية أخرى بديلة عن العصا الأمريكية والصهيونية والغرب بأكمله .
ومع أن الصراعات لم تحط عصا الترحال بعد في اليمن وفي سوريا وفي دول أخرى مرشحة لأن تكون أيضا في مهب الريح . إلا أن ما نراه قد تحقق لغاية الآن على أيدي دعاة الإصلاح لم يبلغ من حيث القيم لا كعبا ولا كلابا. لكن الذي يحدث كما نراه بعين بصيرة لا مراء فيها .. هو فقط قتل للشعوب ، وتدمير للمقدرات .
لكن .. إذا ما حاولنا تطبيق مثل هذه النظرية على الإنسان العربي اليوم بأن نحاول غمره في خضم هذا الكون الضحل ، فلن يكون بمقدور أي منهم أن يجد له أي وزن يذكر ، ولن يكون بمقدوره أن يثبت ذاته أو وجوده بالفعل . لأن النظريات التي يلعب بها الحكام العرب تجاه شعوبهم باتت معطلة ، على الأقل من وجهة نظرهم . فلم يعد للإنسان بنظرهم أي قيمة ولا حجم ولا وزن ، مهما بلغ من الصغر ، ذلك الإنسان الذي كان قد أعد نفسه للموت دفاعا عن عروش هؤلاء القادة ، فيما أبلى من سني عمره . وهو ما زال هو الإنسان نفسه ، الذي يُعدُّ نفسه للموت ، دفاعا عن مقدرات الأمة وعن تراب الوطن الطهور ، فإذا ما دعا داعي النضال والجهاد لساح الشرف والوغى وجدت أسودا في ثياب بشر .
لكن كيف لهؤلاء الأسود أن يوصلهم غرور حكامهم إلى هذا الصغر والضآلة وإلى الحجم الذي يبصرهم به الحكام ، مع هذا الاستخفاف في قدراتهم وبسالتهم وتقديمهم للتضحيات التي لا يمكن لهم أن يتراجعوا عنها في يوم من الأيام .
إن لمن الغرابة .. أننا ما زلنا نرى بعض القادة العرب يكابرون .. ويبالغون بالإجرام بحق شعوبهم ، ويمعنون بتقتيلهم وتصويب شتى أنواع الأسلحة إلى صدروهم وبيوتهم لا يعبأون بصرخات الأطفال والنساء والشيب من النساء والرجال، ضانين أن أولئك العملاء والخونة الذين ما زالوا يصفقون لهم ويعيشون ، وهم في ذات الوقت يقتلون فيما يقتلون آباءهم وأمهاتهم من أجل حفنة من الفلوس أو ثمن بخس يتوقعون الانتفاع به والانغماس بملذات الحياة ومتاع الدنيا الزائلة ، حتى وإن كان ذلك على جماجم أهليهم وذويهم ومن شباب الوطن ومثقفيه ، هذا الوطن الذي عاشوا فيه كابرا عن كابر معززين مكرمين إلا من امتهان وسطوة حكامهم .
لقد باعوا الوطن وشباب الوطن الذي ينتمون إليه ، وهم في ذلك يراهنون على بقاء الطواغيت في عروشهم . لم يكن لهم عبرة فيمن سبقهم . فالقذافيون كانوا كذلك ، هم وعملاؤهم يراهنون على البقاء في السلطة ولو أدى ذلك إلى سفك دماء الشعب كله ، لكنهم كما يرى العالم الآن .. فشلوا فشلا ذريعا ، هربت فلول المرتزقة في كل اتجاه بحثا عن النجاة ، كانوا قبلا فرحين بما أغدق عليهم القذافيون من أموال حرام هي ثمن لدماء مئات الآلاف من القتلى ، لكنهم الآن وقد يئسوا من الحياة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ، ففروا في كل اتجاه وصوب ، لا يعلمون كيف ستكتب لهم النجاة وهم يتيهون في الصحراء الليبية وبنادق الثوار تقعد لهم في كل مرصد .
كما أنني لا أجد مناصا للذهاب بعيدا عن الواقع المؤلم لبقية الشعوب العربية قاطبة ودون استثناء ، وخاصة الدول غير النفطية ، إذ بنفس المعايير يتعامل الحكام مع شعوبهم ، حتى بات المواطن العربي في كل بقعة عربية ، بدون وزن لا يحس بوجوده أبدا .. فالشعوب الآن ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة والجوع والجهالة ، والكل يئن ويصطرخ في كل زاوية وفي كل ركن ، يناشدون الحكومات ، يصرخون بألم البائس الفقير ، من وطأة الفقر الذي بات يهاجم كل بيت وكل أسرة ، كل فرد يترنح تحت وطأة الفقر والحرمان والقهر ، كل شيء غلا سعره ، وارتفع ثمنه ، ما عدا الإنسان العربي .. بل فإن الإنسان العربي في واقعنا المعاصر لم يعد يساوي إلا مجرد فنجال قهوة عربية ، يشربها الوجهاء وكأنها كأسا أعدت لتشرب نخبا على روحه الطاهرة .
كل شيء غلا ثمنه وارتفع سعره بالفعل ، على حساب الإنسان العربي ، دون اهتمام من الحكومات ، أستغرب أشد الغرابة ، كيف لأمة تقوم دعائمها على احتقار الإنسان وتحقيره وتجريده من إنسانيته وقيمه .
الحكومات العربية .. ظلت تستعبد الإنسان العربي حينا من الدهر ، وكانت بنفس الوقت تبخل عليه حتى بمقومات الحياة . الإنسان العربي .. يجوع ويعرى ويحرم من أبسط حقوقه في الحياة، بينما يستأثر بثروات البلاد طغمة فاسدة تستبد برأيها ، تبيع كل شيء وتستحوذ على كل شيء ، وتفعل كل شيء من أجل جمعها للمال والإثراء ولو كان حراما ، وإن كان على حساب دماء الشعب .
أيها الحكام .. كفاكم استهتارا بكرامات شعوبكم ، هذه الشعوب التي لولاها لما كانت لكم دول وعروش ، أيها الحكام .. شيء من العدل تردون من خلاله للمواطن العربي كرامته وكبريائه وأنفته .. واعلموا بأنه لن تكون لكم أنفة ولن يكون لكم كبرياء بدونه . اعلموا بأنه هو من يقف ما بين عروشكم وبين من يتربصون بكم الدوائر ، ولن يكون بوسعهم الوقوف متفرجين على من يضمر لكم العداء أو يعد العدة لضربكم أو الإيقاع بكم .
فمتى تستفيقون من غفوتكم الطويلة هذه وتؤدون للشعوب حقوقهم واستحقاقاتهم ؟
أيها الحكام .. لم يعد هناك من متسع للصبر ، فقد صبرت عليكم الشعوب طويلا .. ولن يكون بوسعهم الصبر أكثر .. فانظروا بعين البصيرة وكفاكم تعاميا عما يدور من حولكم من أمور قد تكون عصيبة ، وإن استفحلت ستجلب عليكم أنواع شتى من المصائب والملمات .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات