أفكار ثورية 3


اتخذت الثورات في العالم العديد من الأنماط و الأشكال المختلفة اختلاف المجتمعات و الشعوب التي قامت بهذه الثورات ، و لربما كانت الشخصية الثورية الخاصة بالطبيب الأرجنتيني الماركسي ارنستو تشي غيفارا إحدى أهم الظواهر الثورية الجديرة بالملاحظة و الدراسة لثراء هذه الشخصية و تنوعها الفكري ، فهذا الثوري الرومانسي الذي نشأ لأسرة أرجنتينية مترفة كان والده مهتما بالسياسة و لطالما استقبل السياسيين في منزله ، و هو ما شكل جزءا من ميول تشي السياسية ، و على الرغم من دخوله كلية الطب إلا أن ذلك لم يثنيه عن تشكيل فكره الثوري الخاص به و في خضم دراسته للطب قرر القيام برحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية مع صديقه ألبيرتو غرانادو، كان الهدف النهائي يتمثل في قضاء بضعة أسابيع من العمل التطوعي في مستعمرة سان بابلو لمرضى الجذام في البيرو، و لكن شاءت الأقدار أن تكون هذه الرحلة بوابة تنير الدرب أمام غيفارا ليشاهد عبرها معاناة أبناء قارته التي طالما اعتبرها جزءا واحدا غير منفصل تماما كسابقه بوليفار ، فشاهد الظلم و الفقر و البؤس بأم عينه و مقابل ذلك شاهد الترف الذي يعيشه الإقطاعيون و الديكتاتوريون الذين يحكمون تلك البلدان و بعد تشبع رأس غيفارا بكل هذه الصور التي حفزت مخيلته الثورية عاد ليتم دراسته و يحصل على شهادة الطب ، انطلق بعدها في رحلة أخرى إلى أمريكا اللاتينية و حط رحاله في غواتيمالا حيث كان الرئيس خاكوبو أربينيز يرأس حكومة منتخبة ديمقراطياً وكان يحاول من خلال إصلاح الأراضي وغيرها من المبادرات إلى وضع حد لنظام الإقطاع و هو ما لم يرق للولايات المتحدة حيث قامت بغزو غواتيمالا وتثبيت اليميني الديكتاتوري "كارلوس كاستيو أرماس" في الحكم و لم تنفع محاولات غيفارا الحثيثة لتشجيع أربينيز على القتال ، فغادرها محبطا قبل أن يجد ضالته في كوبا حيث كانت الأجواء مناسبة للقيام بثورة ضد الديكتاتور الفاسد باتيستا حيث تم تعريفه من قبل بعض المنفيين الكوبيين على راوول كاسترو الشقيق الأصغر لفيديل كاسترو و على الرغم من كونه بدء مسعفا للثوار في البداية إلا أنه تحول بفضل حنكته و قدراته و خططه العسكرية الفائقة إلى الرجل الثاني بعد فيديل كاسترو فكان عراب حرب العصابات التي تعد أحد أهم أسباب الإطاحة بنظام باتيستا ، ثم أشرف بنفسه على المحاكم الثورية التي قضت بإعدام المئات من بقايا النظام البائد تحقيقا للعدالة الثورية ، ليستلم بعدها منصبين حكوميين لم يحصد فيهما نجاحا كبيرا لعدم تماشي أفكاره الإصلاحية الاشتراكية مع الوضع الصعب الذي عانته كوبا جراء الحصار الأمريكي أتبعته بغزوها لخليج الخنازير حيث كان غيفارا مديرا تنفيذيا للقوات المسلحة الكوبية التي أشرف على تدريبها بنفسه ما أسهم في دحر الغزاة و عودتهم من حيث أتوا ، ليتجه بعدها صوب الاتحاد السوفييتي طلبا للدعم و يجلب الأسلحة و الصواريخ النووية إلى كوبا قبل أن تسحب روسيا هذه الصواريخ و هو ما عده غيفارا خيانة لا تغتفر ناصب بعدها العداء للاتحاد السوفييتي ، ترك بعد ذلك منصبه الرسمي و اتجه صوب زائير لإشعال ثورة هناك بقيادته لمجموعة من المتمردين و هي خطوة لم تكن محسوبة بشكل جيد من تشي فباءت محاولته بالفشل ، أعقبها بمحاولة أخرى فاشلة لثورة في بوليفيا كانت آخر محاولاته الثورية حيث لقي حتفه على أيدي الجيش البوليفي بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية التي رأت في الرجل تهديدا كبيرا لها لأفكاره الثورية المعادية لها و لسياساتها فكانت مشاركته في هاتين المحاولتين تجسيدا لمقولته الشهيرة "إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني"
و على الرغم من نجاح الولايات المتحدة في قتل غيفارا إلا أن أفكاره الثورية لم تنتهي بموته فالرجل الذي لم يعمر طويلا أضحى بعد موته أيقونة للثورة و الثوار في العالم
و قبل لحظات من إعدام غيفارا سأل عما إذا كان يفكر في حياته والخلود. أجاب : "لا أنا أفكر في خلود الثورة." و يمكن القول بأن الرجل المولع بالسيجار الكوبي ظل وفيا لمبادئه حتى مماته فقد كان نصيرا للفقراء و المظلومين فكان يقول : ( الثوار يملئون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء ) و قد ضحى بحياته من أجل هذه المبادئ التي رفض أن يغيرها و من أجل تلك الأفكار الثورية التي طالما لازمته و كانت هاجسه الأول كما كان يقول : ( لن يكون لدينا ما نحيا من أجله إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله )



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات