الوطن بين مطرقة الحكومة وسندان المحتجين


كثر في الشهور الماضية الحديث عن ما يُسمى بلطجة الحكومة، والجهات الأمنية في انتقاد شديد لتعامل هذه الجهات مع الاعتصامات والمظاهرات... لكن أحدا لم ينتقد بلطجة بعض أفراد الشعب، وابتزازهم للدولة بصورة واضحة.
لا يفهمنَّ أحد أني أريد الدفاع عن أي كان، ولكن دفاعي سيكون عن الوطن وفقط الوطن، الذي يُجّر قسرا إلى نفق ضيق مظلم لا أحد يعرف نهايته، ولا نتائج المضي فيه.
إن المتتبع للأخبار يتألم لتراجع هيبة الدولة، وانفلات الشارع بصورة ملحوظة، وابتزاز الوطن بصورة مخجلة، والغوغائية الفضّة في معالجة الأمور؛ إطلاق نار! وإغلاق طرق دولية! وتهديد بعض الملثمين للمارة ببنادق رشاشة! وإغلاق شوارع بالحجارة! وتكسير مركبات المارة! وأعمال شغب وفوضى عارمة في بعض المناطق! كل حي أصبح يريد بلدية خاصة به! وإلا تهديد بالتصعيد! كل ذلك والحكومة عاجزة، أو متراجعة، أو مستجيبة، فقد أصبح قطع الطرق والبلطجة وسيلة لتحقيق مطالب الناس، وهذا يعني أن الأمور تسير إلى انفلات لا تحمد عقباه، والأمن غير قادر على تطبيق القانون في ظل التخوّف من الانزلاق فيما تشهده الدول المجاورة!
إن أول الأسباب المهمة وراء حالة الفوضى هذه سلوك الحكومات المتعاقبة مع المواطن الذي اُستغفل لسنين طويلة، ونُهبت منجزاته في غفلة منه، وأُفرغت جيوبه مرات عديدة وهو صابر يحتسب لوجه الله والوطن، ولكنه بعدما استفاق على كل ما حدث من الفساد المستشري، والمديونية الضخمة... صغر الجميع بعينه، ولم يعد يثق بأحد، بل أصبح يشك ويتخوّف من كل ما يصدر عن الحكومة! إن فقدان الثقة بالدولة هو من أكثر الأمور خطورة على الأمن القومي لأي دولة من الدول؛ لأنها تُشرعن شريعة الغاب، فيسعى كل مواطن لأخذ حقّه بيده طالما أن الحكومة عاجزة عن ذلك، بل هي متهمة بالتفريط مفرطة.
والسبب الثاني هو سلوك الحكومة الحالية، فهي ومنذ تشكيلها لم تكن قادرة على إقناع المواطن بمقدرتها على تجاوز هذه المرحلة، وإيصال الوطن إلى طريق البر والأمان؛ لخبرة الناس ببعض رجالاتها، ولكثرة الأزمات التي دخلت، وأدخلت المواطن معها فيها حتى بات يطلَق عليها حكومة التأزيم!
والسبب الثالث سياسة الاسترضاء التي تقوم بها الحكومة بصورة ملحوظة، وسلبية أكثر من أي وقت مضى، فالكل يفهم استحقاقات هذه المرحلة، وضرورة استيعاب غضب الشارع وثورته على ما كان سائدا، وضرورة تغيير النهج لمزيد من الديمقراطية والحرية، وما يتبع ذلك من ضرورة الإصلاح، لكن التطبيق العشوائي والمتسرّع لهذا كله، والقرارت الارتجالية غير المبنية على أسس سليمة وواضحة مع تجاهل لمطلب الشارع الرئيس-معاقبة الفاسدين واسترجاع ما نهبوه- كل ذلك يأتي بفشل أكبر، وخراب أوسع، ونتائج وخيمة على الوطن كله، وأوضح مثال على ذلك موضوع البلديات، فكثير من قرارات فصل البلديات جاء إرضاء لنائب أو عشيرة ... وليس نتيجة لدراسة مستفيضة من ذوي الخبرة، وأسس واضحة، ومعالجة شفافة، بل هي عشوائية هزيلة خاطئة، فشجعت كل مجموعة من المواطنين على المطالبة بالفصل لغايات خدمية، ومنافع آنية، وعشائرية ضيّقة، وتحد سافر للحكومة، دون التنبه لأخطار هذا الفصل، وما سيترتب عليه من مصاريف، وتشتيت لجهود الحكومة في تقديم الدعم لهذه البلديات، وما سيترتب عليه من كلفة على الوطن، وجيب المواطن، فهو مَن سيدفع فاتورة هذا كله في نهاية المطاف، فيكون قد عالج الفساد بفساد جديد، فالعالم كله يتجه إلى مزيد من الجمع والتجمّع ونحن إلى مزيد من التفرق والتشتت.
إن هيبة الدولة تتراجع، والأمن والأمان في خطر، ودولة القانون والمؤسسات باتت بلا قوانين حازمة تضبطها، ولا مؤسسات قوية تحميها، وأصبح الوطن بحاجة إلى حكومة إنقاذ وطني تعيد للدولة هيبتها، وتشعر المواطن بالطمأنينة والثقة، وتعيد دراسة فصل البلديات دراسة واقعية موزونة، فهذا أولى من إجراء انتخابات بلدية تزيد من تأزيم الشارع، وابتزاز الوطن، فاليوم كلٌ يريد بلدية خاصة به، وغدا يريد مجلسا بلديا على مقاسه تحت التهديد بالفوضى والتصعيد لاسيما أن ثقة المواطن بهذه الحكومة في موضوع الانتخابات خاصة جدّ ضعيفة.



تعليقات القراء

احمد الازايده
لقد جانبك الصواب ودخلت من الشباك ولم تدخلي من الباب ولي عليك كثير من العتاب لانك تركت كل شي ووردت ما لايورد على ما لا يورد عليه وهل يقاس الفساد واربابه واحبابه بشعب طحن وامتحن وسحن بعد الطحن بربك العشرين مليار اين ذهبت من .......والمؤسسات من من باعها واضاعها الا نخبة الحكومات بحفنه من الجنيهات
17-10-2011 12:02 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات