تجارب إسلامية النكهة لشرق أوسط جديد


منذ قررت الإدارة الأمريكية إجراء تغيير جذري في الخارطة الجغرافية والجيوسياسية العربية والإسلامية ، شهدت المنطقة العربية ثلاث تجارب بريطانية المنشأ أمريكية الصناعة وبواسطة الطباخ القطري والوصيف التركي لإدخال جماعة الإخوان المسلمين في النظام السياسي العربي ، وإتاحة الفرصة لها لإمساك زمام الأمور في كثير من الدول ابتداء من رأس الهرم حتى مفاصل كل النظام ، وتمت كلها استجابة للمال القطري السخي الدافع ، وللطلب التركي المصر الضاغط بضرورة الاستفادة من التنشئة والتركيبة الإخونجية التي هي البديل الممكن سياسيا للنظم الجمهورية التي استهلكها الزمن ، وللحركات الإسلامية الأصولية كتنظيم القاعدة والأحزاب الأخرى المشابهة المعادية للنظم الغربية والعربية والإسلامية .

كما وجاء التغير الجذري بالسياسة الأمريكية بلفظ النظم المؤيدة لها ذات الطبيعة العلمانية أو القومية أو المدنية ، والميل للخيار الجديد لصناعة أنظمة عميلة لها بالمطلق بنكهات عدة تحت مصطلح ثوري تحرري ، بمحاولة غير محسوبة النتائج لأهدافها المتداخلة تعارضا وتقاطعا ، فإضافة لمحاولة إخراج تنظيم القاعدة والأخرى التي على شاكلته من الخارطة السياسية والاجتماعية العربية ، العمل على إخراج إسرائيل ودورها الاستراتيجي الخطير من العقلية السياسية العربية ، والإظهار أن هناك محاولة لتطويق وإفشال الرغبة الإيرانية بإدارة العالم كند مواز لإسرائيل مع ضمانة إيران الدائمة بالعلم والواقع وصراخها العلني بعدم التعرض للمصالح الأمريكية في المنطقة العربية وبخاصة في بحر العرب والخليج ، رغم وصفها الإعلامي الاستهلاكي للأمريكي بالشيطان الأكبر، ورغم تهديداتها الخطابية أيام الجمع وبالمناسبات الوطنية وأيام احتفاليات القدس بالتبشير بقرب زوال إسرائيل وبالتهديد بضرب المصالح الأمريكية ، ودليله زيف العداء الأمريكي الإسرائيلي الإيراني بتنسيق وتكامل التعاون الإيراني الإستخباراتي مع الأمريكي في قضايا أفغانستان والعراق وأخيرا في ليبيا تحت باب المصلحة المذهبية والانتقامية ، فكما هو معروف فإنّ المخابرات والخلايا الإيرانية وتلك التابعة لحزب الله حاولت دون نجاح سحب مصر للفوضى بسبب وعي الشعب المصري وفهمه خطورة المرحلة ، بينما نجحت بالمساهمة بالإطاحة بنظام العقيد القذافي ، مثلما تعاونت سابقا وأطاحت بنظامي طالبان وصدام حسين ، بل وساهمت فعليا بتتبع آثار الرئيس صدام حسين وأرشدت القوات الأمريكية لمكان اختباءه مقابل ضمان قرار إعدامه .

التجربة الأولى التي أعطيت للجماعة كانت في العراق بعد الغزو الأمريكي مباشرة ، حيث السماح بمشاركة الحزب الإسلامي العراقي الجناح العراقي لجماعة الإخوان المسلمين لدعم التغيير الجذري الذي حصل في العراق بالقوة ، وللإيحاء بوقوف كل القوى العراقية خلفه ، وهي التجربة الفريدة الأولى لهم بعد إقصاء نظام البعث وإعدام رئيسه صدام حسين يوم النحر الأكبر ، والتي جاءت بعد تفاهم الجماعة مع الأمريكيين والإيرانيين أصحاب النفوذ الكبير والقوي في العراق بعد صدام حسين ، والقاضية بضرورة ضبط الحزب الإسلامي للشارع السني العراقي ، وسحبه نحو الموقف الأمريكي ، بما يعني عدم الاعتراض على النفوذ الجديد الكبير للشيعة الراعين للمشروع الأمريكي في العراق ، والتصديق على عملية اغتيال الشخصية السياسية السنية في العراق الجديد ، وهو ما ترجم لاحقا بتشكيل قوات الصحوة السنية التي هدفت للمساعدة باجتثاث ما تبقى من عناصر وفكر بعثي في محافظات وسط وشرق العراق خاصة ، وقد نجحت هذه التجربة إلى حد كبير بإخراج جزء أساسي من الشارع السني من حلبة الصراع على السلطة ، وساهمت إلى حد ووقت ما بإبعاد شبح الحرب الأهلية عن المشهد العراقي .

التجربة الثانية التي أعطيت لجماعة الإخوان المسلمين كانت في غزة عام 2006م عبر حركة حماس ، التي تمكنت من عسكرة تنظيمها بسرعة فائقة ليصل إلى مستوى جيش شبه نظامي ، رغم المراقبات الإسرائيلية والأمريكية والغربية ، ودفعها بالتالي لقتال قوات حركة فتح وقوات الرئاسة الفلسطينية بهدف إخراج الشرعية الفلسطينية من غزة مع أملهم أن تنجح محاولتهم الثانية في الضفة ، وهي التجربة مع دمويتها غير المتوقعة التي جاءت لتجربة قدرة الغرب والجماعة عمليا لتنفيذ انقلابات عسكرية تحت مسمى ثورات شعبية ضد عدد من الدول العربية ، ولقياس مدى تجاوب أو سكوت الشعوب العربية عليها ، ولمعرفة مدى التزام الجماعة بالقانون الدولي وبتعهداتها إن طلب منها ذلك حال حدوث التغيير المطلوب ، لكن هذه التجربة الدموية ضبطت أخيرا تحت ضغوطات قطرية وتركية وإملاءات أمريكية وإيماءات إيرانية ، واضطرت جماعة الإخوان لتهدئة الأوضاع مع السلطة الوطنية الفلسطينية تحت هدف واضح جاء لخدمة أمريكا والغرب بمخططاته قبل خدمة ومراعاة المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ، ولتسهيل الطريق أمام قطر وإعلامها الداعم لإنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد ، ولإفساح المجال ثانية للجماعة للمساهمة بمزيد من المشاركات بالخطط الرامية لتغيير نظم مزيد من الدول العربية بالقوة .

أما التجربة الثالثة فكانت المخيفة والدموية في ليبيا ، حيث مشاركة جبهة إنقاذ ليبيا التي قوامها الجماعة الإسلامية الليبية المشتقة من الجماعة في الخارج وتنظيم الإخوان في ليبيا مع بداية شهر فبراير ، بل قيادتهم لصفوف المعارضة الليبية التي عسكرة الثورة الليبية منذ بدايتها ، وطلبت تدخل مجلس الأمن الذي فوض قوات الناتو لإحداث التغيير المطلوب أمريكيا في هذا البلد العربي ، وقد تبنت الجماعة علنا مبدأ تصفية نصف المجتمع الليبي لصالح النصف الآخر وهو ما جاء على لسان القرضاوي الصلابي وبعض شيوخ الجماعتين الإسلامية والمقاتلة في بنغازي والبيضاء ، بتحريض من ملالي إيران اللذين زادوا على وصف الثورات بالانبعاث الإسلامي على طريقة الثورة الإيرانية ، وهي التجربة الفريدة التي وفرت أروح الغربيين ، لكنها مع إيجابياتها للأطراف المشاركة بالعدوان على ليبيا ، تراها مهد الأرض لحروب أهلية قادمة قد تصبغ ليبيا لسنوات قادمة وتعيدهم والعرب لعصور ما قبل الجاهلية الأولى .

فالواقع في ليبيا يقول أنّ معظم القبائل غرب وجنوب ليبيا هي معارضة ورافضة للتغيير الحاصل بطرق غير شرعية وغير دستورية ، وأنّ قبائل عربية من بنغازي ومصراتة والزنتان ومن الأمازيغ هي التي تقود التغيير بالقوة ، بالتنسيق وتحت غطاء قصف الناتو ، وهي من تقوم بالإغارة على مدن وقرى القبائل غرب وجنوب ليبيا ، وهي التي تقتلهم وتعذبهم وتشردهم وتحرق جثثهم وتدمر مدنهم لمجرد أنهم رفعوا يوما علم ليبيا أو حملوا يوما صورة العقيد أو أنّ من بين أسرهم من كان أو ما زال بالقوات الليبية ، حتى وصل الأمر لحد الإفتاء من شيوخهم بجواز سبي النساء الليبيات في مدن سرت وسبها وبني وليد والمناطق الأخرى المؤيدة لنظام العقيد القذافي كغنائم حرب .


ولكن لِمّ تجازف أمريكا بهذا التحول الدراماتيكي بخياراتها وعلاقاتها مع العالم العربي بشارعيه الرسمي والشعبي وبشقيه القديم المؤيد لها والجديد التابع بالكلية لها ، والجواب هو بسبب اطمئنان أمريكا لنجاح التجربتين العراقية عبر الحزب الإسلامي ، والتركية عبر حزب العدالة والتنمية الذي هو بدورة انطلق من رحم جماعة الإخوان العالمية ، وإثباته قدرة الجماعة على التعاون مع المتغيرات المطلوبة والقدرة على المزج بين العلمانية المدنية المجردة وبين المدنية الإسلامية الجديدة التي ترعاها الجماعة ، وهو الواضح بانتقال الجماعة من طرح شعار الإسلام هو الحل كفكر طالما نادت به وسوقته وصادرت إرادة الشارع العربي به ، وبالطبع أخاف الغرب وأمريكا لفترة ، إلى واقع القبول ودفع الشارع للقبول بالدولة المدنية الديمقراطية بالنكهة الإسلامية على النمط التركي ذي الوجهين المريحين للغرب ولأمريكا ولربيبتهم إسرائيل ، الإسلامي كأحكام شرعية وعبادة ، والعلماني حكما وتشريع وسياسة .

أما من أخطر الأسباب لقبول أمريكا بالجماعة كخيار مقبول ، فهي الدرجة العالية من التنسيق بين الأمريكان والغرب من جهة وبين الجماعة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية المؤرقة للغرب ، ومآل السلطة الوطنية الفلسطينية وإزعاجاتها له ولإسرائيل ، حيث ظهر التنسيق بين الطرفين على أعلى مستوياته قبيل وبعد الطلب الفلسطيني من مجلس الأمن الموافقة على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ، وأن تكون دولة فلسطين هي الدولة 194 المنضوية تحت شعارها ومؤسساتها ، فقد كان موقف الجماعة العلني هو الموقف الذي ترجمته حركة حماس بموقفها الرافض قطعيا لقرار أممي يفضي لدولة فلسطينية كاملة السيادة ، والذي أتبعه اتصالات بين الجماعة مسنودة بوفود إيرانية مع كل من البوسنة والهرسك والنيجر والغابون الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن ، عبر الجماعات الإسلامية في الدول الثلاث للامتناع عن تأييد انضمام فلسطين للأمم المتحدة ، فيما توكلت أمريكا وإسرائيل بضغط إضافي كبير مالي وسياسي كبير على الدول الثلاث المذكورة ، وذلك بعد نجاح أمريكا بالضغط على كولمبيا اللاتينية لصالح امتناعها عن تأييد انضمام فلسطين للأمم المتحدة ، مقابل مساعدات مالية وتجاوز ملاحقات لتجار مخدرات كولومبيين كبار ، وذلك بهدف إعفاء أمريكا من استخدام حق النقض الفيتو ، ولعدم إحراجها بالشارع العربي المذهول والمصدوم من مدى التعاون الإستراتيجي السياسي والعسكري الجديد بين الجماعة وأمريكا ، الوضع الذي سيؤدي حال استخدام أمريكا الفيتو إلى تفجر المظاهرات بالعالمين العربي والإسلامي ، وهو ما لا تريده أمريكا بسبب طبيعة المرحلة المقبلة التي تشهد رسم خارطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديدة ، وأيضا ما لا ترغب به الجماعة المعتمدة لتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة بالتغيير والمتناغمة مع الخارطة الأمريكية الجديدة على قوة الناتو .

Alqaisi_jothor2000@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات