أوقفوا البلاطجة الجدد


كثر الحديث عن البلطجة والشبيحة، وكلها مسميات تدور حول مصطلح لا أساس له في معاجم اللغة العربية، إلا أنه أصبح أحد أبجديات الاستجابة الأمنية العربية، وذلك في مواجهة الحركات الشعبية المطالبة بالإصلاح وبمحاربة الفساد. البلطجة جريمة، إلا أنها في مجتمعنا العربي أصبحت وسيلة حسن سلوك أمني، ووثيقة انتماء سياسي في الوقت الضائع، وأداة تسلق رخيصة، وهي لا تختلف عن كثير من الاستجابات الحكومية لمواجهة الحركات الاجتماعية، والأزمات الأمنية، وهي تعكس ضحالة التفكير الرسمي والاستخفاف بعقول الناس في عصر المعلومات، وعندنا في الأردن لا تختلف البلطجة عن الفساد في استخدام أنموذج الاختباء، فتارة تقدم رسائلها الملونة بالوطنية، وتارة تختبئ خلف دعم الأجهزة الأمنية ، وتارة خلف التخويف من الانفجار المناطيقي والأصولي. وأخيرا تختبئ خلف الجيش، وكأن الجيش بحاجة لدعم البلطجية. على الجميع أن يقول للبلطجة قف.

فمن الناحية العلمية (علم الجريمة) فالبلطجة سلوكيات أو أفعال أو ألفاظ ممزوجة باستخدام القوة ضد شخص آخر، وقد تكون من جماعة ضد جماعة أخرى، وتشمل المناداة بأسماء معيبة، أو الكلام النابي، أو كتابة أشياء مسيئة، أو قبيحة، أو طرد الفرد أو مضايقته، أو عدم التحدث معه، أو تهديده، أو ضربه أو الإجبار على عمل ما. البلطجة معاملة عنيفة، تستخدم فيها القوة للتأثير على الآخرين، خاصة في مواقف التفاعل غير المتساوي القوة. وتتنوع أهداف البلطجة من لفت الاهتمام العام أو الحكومي، إلى استعراض القوة، إلى الشهرة، وتعتمد على أساليب الخوف والإرهاب والرعب للآخرين. وقد تأخذ مسميات حسب نوع القطاع الذي تمارس فيه أو عليه، فقد تكون سياسية، وقد تكون إعلامية، وقد تكون عامة، وقد تأخذ صيغ فعلية أو افتراضية أو مناشير.

آما البلطجة الجديدة، بالإضافة إلى شمولها على جرائم ترتكب من أفراد ضد آخرين بالإشكال الموصوفة أعلاه، إلا أنها تُعطي مدركات قد تكون خاطئة وقد تكون صحيحة عن الرعاية الرسمية لها، وهي أن البلاطجة هم رسل الوطنية في المجتمع وباقي المجتمع في طرف الخيانة (الاستبعاد للأغلبية)، ويوزعون أشكالاً وتفصيلات ومقاسات ومقاييس للوطنية، ويظهرون بمظهر الغيور على الأجهزة الأمنية، وهي لا يهمها ما قد يلحق بصور الأجهزة الأمنية والقضايا الوطنية من ضرر نتيجة سلوكيات البلطجة.

في المجتمع العربي وخاصة في تونس ومصر وسوريا واليمن، قامت البلطجة برعاية رسمية، محاولة قلب الحقائق، وخلق جبهات متناقضة في المجتمع مما قد يتيح تسويغ الفساد، ولكن مع وجود ثورة الاتصالات والبث المباشر، ووجود المواطن الإعلامي، الذي ينقل الواقع إلى العالم دون استئذان من رقابة الحكومة الإعلامية، قد فضحهم وتبين مستوى رفض المجتمع لهم محلياً ودولياً. والجديد في البلطجة أنها وسيلة شحاذة سياسية واجتماعية، واسترزاق، وتسلق للحصول على ميزات معنوية أو مادية،
والبلطجة في المجتمع العربي لا تتحرك بمفردها فتارة يحركها الرسميون، وتارة يحركها المستفيدون منها، والذين يجنون ثمنها ميزات وعطايا ومناصب، وتارة تكون برعاية رسمية غير معلنة، البلطجة تُرحل الأزمات ولا تحلها، وتوجلها، ولكنها تقربها من الانفجار. فلما لا نتعلم من مصائب غيرنا، والذين استخدموا ما هو أسوء من البلطجة، استخدموا الإذلال والاعتقال والقتل والتشويه، وما ذا كانت النتيجة تغيرت الشعارات من المطالبة بالحرية إلى المطالبة بإسقاط النظام، ومن الدعم المحدود إلى الدعم غير المحدود، ومن التعاطف المحلي إلى التعاطف الدولي.
البلطجة إن لم توقف، ستعزز العنف الجماعي، والجمعي، والعشائري، وسيسود الأمن الجمعي ويحل محل الأمن الرسمي، (أي كل واحد يحمي حاله)، أو كل جماعة أو عشيرة تحمي نفسها ، ويشعر الناس بضعف نظم العدالة الجنائية، مما يدفعهم إلى الاستناد على وسائل الخاصة في الأمن وحماية أنفسهم، وقد تصبح فرق البلطجة فرق جريمة منظمة بعدما تفقد الداعمين لها، وتصبح وسيلة ابتزاز للحكومة والمجتمع. تحتاج المجتمعات وقت الأزمات إلى التلاحم الاجتماعي إلى التسامح وليس إلى البلطجة والعصابات، والتشرذم. إن من الخطورة بمكان رعاية البلطجة، فهم قادحو الانفجارات الأمنية، كما لا ينبغي أن يكون الأمن مسؤولية الأجهزة الأمن لوحدها فالأمن مسؤولية الجميع.

رئيس مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث



تعليقات القراء

اردني للنخاع
نعتذر......
24-07-2011 10:27 AM
هاني العموش
د. ذياب شكرا على هذا المقال المعبر نريد قراءته وتعميمه على المعنيين بالدولة لوقف هذه المهازل التي نشاهد فقد استفحل الداء وما المشاهد التي نرى مثل اللبن، الدعسة الفجائية ، مظاهر التهديد والاعتداءباستخدام مجموعة من ....... ا
24-07-2011 11:21 AM
محمد هاشم
شكرا للدكتور فهذه الكلمات الجميلة تشفي الغليل .
24-07-2011 01:28 PM
ا. د . فايز المجالي
عزيزي ابو يزن ، مقال يعكس الواقع بايجاز رائع ، و اتمنى من ذوي العلاقة التفكير الجدي و بشكل خاص بما جاء في اخر سطرين من المقالة
24-07-2011 01:38 PM
د. عبدالله الدراوشه
فعلاً مقال رائع يعبر عن مشاعر كل اردني يحب الله والملك والوطن
24-07-2011 02:16 PM
راعي من الصحراء
اخي د.ذياب
لماذا نصل الى مرحلة التخوين اي من بلطجي ومن يريد الاصلاح الحقيقي
اخي د. ذياب
هل تجزم بأن كل المنادين بالاصلاح ليس لهم مصالح من وراء ذالك
ام كل من يخاف على مصلحة وطنه وعدم جره الى ما نراه في بعض البلاد العربيه بلطجي
د. ذياب
ليس كل منادي بالاصلاح مصلح
وليس كل من يسمى بلطجي بالضروره (بلطجي )
لكل انسان وجهة نظره
وليس بالضروره ان نكون متفقين
24-07-2011 04:43 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات