لمن الأمن؟، لمن السلاح؟


في المجتمعات المتخلفة وفي ظل أنظمة الحكم الشمولية والقمعية، يُسًخر الزعيم الأوحد، جل اهتمامه في بناء ترسانة عسكرية، ويجعل ميزانيات الأجهزة الأمنية مفتوحة على حساب التعليم والصحة والعمل...الخ، وتتكدس الأسلحة ويذوب بعضها من الصدأ، والنمو الوحيد في بلده هو في معدلات الفقر والجوع والبطالة، ويصبح الشعب متسولاً للبقاء، يستجدي لقمة العيش، وشهيق النفس، وتضيق على الشعب الدنيا بما رحبت، ويغرق في مستنقع الأمراض الاجتماعية بشتى أنواعها، ينتشر فيه الفساد كالنار في الهشيم، وتسود ثقافة النفاق والتزلف والتمجيد للسلطة، ويحمد الشعب الله كثيراً على نعمة الزعيم التي حباها للشعب.
ولا يطول الزمن حتى يجد الزعيم نفسه يحكم مشروع شعب، يتسول الزعيم منه وعليه، شعب مسلوب الإرادة، خاوي المعدة، حيث يكون السلاح على حساب الخبز، وتكثر خطابات التسويغ للفقر والجهل وللمعركة التي لن تكون، وإلى المواجهة التي لن تحصل، ويوصم التحرر من الفقر والعوز والخوف بالخيانة، وتسري السنون ثقيلة، ويزداد هم الشعب وتزداد أحماله، ومع غياب فهم الواقع الراهن العالمي والمحلي، ومع انفتاح الشعب على ما يجري في العالم، ومع شيوع ثقافة شبابية ترفض القهر والاستعباد والاستبداد، يخرج الناس على النظام وعلى الزعيم، بشكل مباشر أو بشكل تحويّلي، متسلحين بقوة جمعية، رابطها الشعور بعدم العدالة، وبالظلم، والتهميش، حيث يرفضون وجودهم الضريبي.
وتنكسر حلقات الخوف، والجوع، وتصبح التضحية مطلباً جمعياُ تعززه ثورة اتصالات كونية، يخرج الناس لانتزاع حقوقهم الأساسية، حقوقهم في المشاركة والحرية والحياة الكريمة، فتشخر الدبابات، وتدوس الوطن شبراً شبراً أو زنقة زنقة، وتمطر صواريخ الزعيم سمائهم، وتحرث بيوتهم، وتقطّع الحناجر، وتقص الألسن، وتخلع الأظافر، ويصل التيار الكهربائي إلى كل المناطق النائية والغورية والحساسة في جسد الشعب الذي لم يمجّد الزعيم، وتمارس عليه كل صنوف التعذيب والإذلال.
وتطل طبقة المتمجدون كما أسماها الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستبعاد) وهم "فئة ضربت طوقاً حول المستبد، وهم حاشيته، وعيناه التي تراقب كل سلوك تحرر أو عصيان، وهم يداه التي لا تعصاه في الاعتداء على كرامة الناس وتستبيح حرماتهم، هم أنصار الجور والظلم وأعداء العدل". ويخرج المتمجدون من بقايا المثقفين ليعلكوا بضاعة ورثوها عن أبائهم حين جوعوا السمك، وان المؤامرة مستمرة، ويخرج الزعيم مستهينا بكل مشاعر الشعب، ليؤكد أن المؤامرة خارجية. وتنتشر فرق المتمجدون، والبلطجة والشبيحة والدعسه الفجائية.
إن أضاعت لحظات تاريخية وعدم تلقفها لتحويل الحراك الجمعي إلى المسار الآمن دون المرور بمطبات جوية أو أرضية .. هي إضاعة للشعب والارض. وإذا كان الاستثمار في الأمن والسلاح دون تحديد المستفيد، والمستهدف منهما، وإذا كنا لم نرى في وطننا الكبير لا الأمن ولا السلام، ولم نرى السلاح إلا عندما خرجت الشعوب وضاقت ذرعا بجلاديها:
فلمن الأمن؟ ولمن السلاح؟


*رئيس مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات