نحنُ أحياء، وباقون، وللحُلم بقيّة


جراسا -

لا يجب أن تغرّنا، أو تأخذنا، صفة "جديد"، أو تسمية "كبير" إلى العزة بالإثم في الشؤون والشجون وحروب الخرائط والخرائب الجيوسياسية في مناطق النزاع الاستراتيجية على الطاقة والثروات المائية والمالية والمعدنية والزراعية والسدود والقنوات والمضائق... وتداعيات تلك الزلازل الجيوسياسية الاستراتيجية في مناطق الاستبداد والتغيّرات الديمغرافية في مناطق البراكين والزلازل والأعاصير والعواصف والأجنحة المتكسرة للشعوب، والارتدادات الأكثر خطورة ووقعاً وموتاً وخراباً، من "ترانسفير" إلى "ترانسفير" في جميع الاتجاهات المتعددة المعلنة وغير المعلنة حسب العرض والطلب والتنزيلات والتصفيات على جميع أنواع وأشكال وألوان الأعراق والإثنيات والديانات والطوائف والمذاهب من مكان إلى مكان آخر، ومن زمان إلى زمان آخر، دون دستور كما يُقال!

يمكن اعتبار شرق أوسط ما قبل التاريخ المنطقة الواقعة غرب آسيا بالإضافة إلى مصر (لا تتبع مصر جغرافيا بلاد المغرب في شمال أفريقيا) ومع استبعاد القوقاز. وهي أول منطقة جرت فيها الثورة الزراعية (حوالي الألفية العاشرة قبل الميلاد)، وبها بدأ العصر البرونزي (حوالي 3300-1200 قبل الميلاد) والعصر الحديدي (حوالي 1200-500 قبل الميلاد). يستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى الدول والحضارات الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية. سميت هذه المنطقة في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين في العالم القديم وهي (مهد الحضارات الإنسانية) وكذلك (مهد جميع الديانات الإبراهيمية).

#الشرق الأوسط هو مصطلح جيوسياسي يشير عموماً إلى منطقة بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والأناضول (بما في ذلك تركيا الحديثة وقبرص) ومصر وإيران والعراق. استخدم المصطلح على نطاق واسع كبديل عن مصطلح الشرق الأدنى (المعاكس للشرق الأقصى) في أوائل القرن العشرين. سبّب مصطلح الشرق الأوسط تشويشاً بسبب تعريفاته المتغيرة، واعتبره البعض عنصرياً أو ذا مركزية أوروبية. تشمل مناطقه الأغلبية العظمى من المناطق التي يشملها تعريف غرب آسيا، لكن بدون القوقاز كما ذكرنا ومتضمناً مصر بأكملها وليس فقط شبه جزيرة سيناء.

تتعدد الأهمية العالمية للشرق الأوسط بدءاً من الأهمية الاستراتيجية والثقافية تاريخياً وصولاً إلى الأهمية الاقتصادية (وقوفاً) عند الأهمية الدينية (طويلاً). معظم دول الشرق الأوسط كما نعلم هي جزء من العالم العربي، مع الإشارة إلى أهمية المنطقة الجيوسياسية لآلاف السنين. تعود أصول العديد من الديانات الرئيسية إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك اليهودية والمسيحية والإسلام. يشكّل العرب المجموعة الاجتماعية العرقية الرئيسية في المنطقة، ويتبعهم الأتراك، والفرس، والأكراد، والأذريون، والأقباط، واليهود، والآشوريون، والتركمان العراقيون والقبارصة اليونانيون.

الشرق الأوسط الجديد – الكبير هو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على منطقة واسعة تضم كامل البلدان العربية إضافة إلى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان. أطلقت الإدارة الأميركية المصطلح في إطار (مشروع شامل) يسعى إلى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حسب تعبيرها ومصالحها في المنطقة. أعلن عن نصّ المشروع في آذار 2004 بعد أن طرحته الإدارة الأميركية على مجموعة الدول الصناعية الثماني في ذلك الوقت. ولكن الحقيقة عالمياً كانت لها صفات استراتيجية حدّدتها الدول العظمى في المرحلة الاستعمارية حسب المسافة من أوروبا قلب العالم. وهكذا بات الشرق "الأوسط" واقعاً بين الشرق الأقصى الآسيوي والشرق الأدنى الذي يقع على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.

واستناداً إلى هذا الوصف جرت الحرب العالمية الأولى لكي يتغيّر المفهوم وفق اعتبارات جغرافية واستراتيجية جديدة في الحرب العالمية الثانية حينما أنشأت بريطانيا ما سمّته "مركز إمداد الشرق الأوسط" أو "ميسك" لكي يحقق التعاون بين دول المنطقة من أجل التغلب على مصاعب الواردات من أوروبا بسبب حرب الغواصات في البحر المتوسط. ورغم أنّ (بريطانيا شجعت إنشاء جامعة الدول العربية) فإنّها في الوقت ذاته أسهمت بقوة في ما صار "أزمة" أو "صراعاً" في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل. نعم، أزمة الشرق الأوسط، أو الصراع في الشرق الأوسط بين العرب والكيان الإسرائيلي المحتل للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة التي ما زالت تراوح مكانها على بحيرات من الدماء الغزير!

مشروع أو (مؤامرة) الشرق الأوسط الكبير من المواضيع المعاصرة والتي ما زالت الولايات المتحدة تعمل على تحقيقها في المنطقة على الرغم من وجود معوّقات كبيرة، فالولايات المتحدة عازمة على إصلاح و"دمقرطة" أنظمة الشرق الأوسط على مقاسها ولاسيّما (الأنظمة العربية) بما يتوافق مع المصلحة الأميركية (أوّلاً)، وبما يؤمن مصلحة وأمن إسرائيل في المنطقة (ثانياً)، وأبعاد شرور التنظيمات الإرهابية كما تدّعي وتقول. فلا يمكن للقارئ والباحث في مشروع الشرق الأوسط الجديد الكبير أن يدرس المشروع بأنّه مشروع إصلاحيّ فقط (دون الكشف عن البنية والنية الحقيقيّتَين) لهذا المشروع الأميركي، لأنّ تداعياته السياسية وتشكيل مراحله لا زالت في (طور التكوين) في نظرة سريعة على المنطقة والمشاريع الكبرى من طريق الحرير إلى طريق البهارات وتقاطع الطرقات والممرات والقنوات والمعابر… والتي تحتاج إلى أدوات ووسائل للضغط والتسويق، وربما نحن أمام عصر تكويني خامس أو سادس من عصور الشرق الأوسط كما يسمّيها "ريتشارد هاس" رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ومستشار الرئيس بوش الأب الشخصي سابقاً ومؤلف كتاب "عالم في حالة من الفوضى: السياسة الخارجية الأميركيّة وأزمة النظام القديم".

مجرد قراءة في الفكر الثقافي والسياسي الأميركي القديم والمعاصر على حدّ سواء تأخذنا إلى أقصى أفلام الرعب في سينما هوليوود – أفلام الرعب الأميركية الطويلة بامتياز تاريخي. مشروع الشرق الأوسط الجديد – الكبير من المواضيع المعاصرة والتي ما زالت الولايات المتحدة تعمل على تحقيقها في المنطقة على الرغم من وجود معوّقات كبيرة أمامها وخلفها داخلياً وخارجياً تبدأ من الحرب في أوكرانيا مروراً بمضيق تايوان ولا تنتهي على أبواب حصار وتدمير غزة الفلسطينية. فالولايات المتحدة عازمة على كذبة "إصلاح" و "دمقرطة" أنظمة الشرق الأوسط ولاسيّما الأنظمة العربية كما ذكرنا بما يتوافق مع المصلحة الأميركية أوّلاً، وبما يؤمّن مصلحة وأمن إسرائيل في المنطقة (ثانياً) نظراً إلى "ثقل" و "قوّة" اللوبيست الصهيونية في مفاصل وشرايين إدارات الدولة الأميركية والعالم.

هل نحن أمام مشهديّة أو واقع جديد تفرضه نتائج حرب غزة؟ أو بداية نهاية "الحفلة التنكّرية" السياسية والعقائدية المتواصلة منذ عقود حيث غطّت أقنعة "تحرير فلسطين" وشعارات "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مشاريع الهيمنة الحزبية والسياسية والشخصية والمذهبية؟ وهل تدخل المنطقة مرحلة حسم التوجّهات بين خيارين أو مسارين لا ثالث لهما في الأفق؟ الأوّل: اعتماد (حلّ الدولتين ومبادرة السلام العربية)، مع تسويات تحفظ "ماء وجه" ومصالح القوى الإقليمية. فيعمّ الاستقرار وتزدهر "ممرّات" التجارة والاستثمار. وتعود حفارات النفط للعمل، فيتمّ اكتشاف الغاز في حقل قانا، ويبدأ تطوير حقل غزّة مارين. والمسار الثاني، هو (حروب صغيرة وكبيرة بالوكالة والأصالة)، تضبط إيقاعها بوارج وأساطيل الدول الكبرى. فتعمّ الفوضى "الخلّاقة" والحروب الصغيرة "الاستباقية"، وتزدهر زواريب التهريب بين الفيدراليات والكانتونات والكيانات المتقاتلة.

لم يعد مشروع أو مؤامرة أو "نصّ" الشرق الأسود الجديد الكبير التراجيدي يتّسع لسيناريوهات وليم شكسبير الغزيرة… لم يعد هناك سوى سيناريو واحد للأسف يستند على فرضية أنّ أميركا التي رعت وأدارت مرحلة "الحفلة التنكّرية" والحروب الاستباقية والفوضى الخلاقة والتسميات والمسميات الفضائية غير المعروفة بعد لدى سكان الأرض، هي التي تدفع حالياً لإنهائها بالهجوم الاستباقي إلى الأمام. بعد أن استشعرت دولة رأس المال المالي المعظمة والليبرالية الفريدة من صنفها وشكلها ولونها وكأننا في موسم الهالوين. أنّها باتت المتضرّر الأول منها كنتيجة لتراجع قوتها الاقتصادية والعسكرية، واضطرارها إلى إدارة الصراعات بأسلوب تقديم التنازلات الأمر الذي عزّز موقف الدول المناوئة من هنا ومن هناك، وخصوصاً موقف الصين وذلك هو الخطر الأكبر. كما حدث حين تمّت التضحية بمقتدى الصدر والمعارضة العراقية لتسهيل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ـ الإسرائيلية.

هل صحيح لم يبقَ على "اكتمال" صورة الشرق الأوسط "الجديد" سوى "تقشيش" سلال التوزيع ومحاصصة تحديد الأحجام النفطية والغازية والمائية والزراعية، والقنوات والسدود والمضائق والنقاط الحدودية والاستراتيجية في "بلاد العرب أوطاني"؟ البلاد التي تتراوح، أو تترنح بين ملحمة جلجامش وأنكيدو، أو ملحمة بلاد ما بين النهرين في تنكيل مقصود للحضارة السومرية؟ بين بوابة العرب الشمالية عاصمة الأمويين وأقدم عاصمة في التاريخ، رهينة الجذور السياسي بين شط العرب وخليجه. باب المندب وعشّاقه، ومضيق هرمز شريان العالم الأبهر ونقل النفط المُحمّل بالأكسجين من قلب الخليج إلى شرايين العالم. بين النيل الأزرق والنيل الأبيض ووادي الحضارة وأهرامات المصرية وسلّة العالم الخضراء وعمقها الأفريقيّ. بين مؤامرات السدود العالية والنهضوية نهر النيل العظيم رهين المحبسين تاريخياً، رهين الجوع ورهين العطش والموت البطيء.
بين أرض بنت الصبح التي نساها العرب الرحل عند المتوسط تجمع أزهار "الشوك" وساروا باديتين ولما انتبهوا وجدوا كلّ سقوط العالم فيها قالوا مرثية. بين الأحواز المنسية منذ مئة وعام، مئة عام من العزلة وجدران العزل والحجر عن العالم الخارجي و"أيرنة" (نسبة إلى ايران) اللغة والثقافة الوطنية. بين الموت في عصر الأوبئة السياسية والأيديولوجية والتكنولوجية الذكية، أو الموت في زمن الفيروسات السياسية القديمة، أو الفيروسات الجديدة والمستجدّة. بين أكثر من ألف حضارة وحضارة تدخّلت وتداخلت في عمق هذه الجغرافيا المشرقية وتاريخها. الجغرافيا "القاتلة". جغرافية تاريخ، أو تاريخ جغرافية كلّ الأديان. أرض الله وبيوته. جغرافية العالم ونقطة ارتكازه. بين فلسطين المحتلة أو مملكة السماء المحتلة بقعة كبيرة من الدم. بقعة كبيرة من الدم الكثيف تلطّخ وجه التاريخ. ووجه الجغرافيا كذلك!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات