عمل كثير وإنفاق أقل لإنقاذ الفقراء


جراسا -

تراجع التبادل الهادف للأفكار ووجهات النظر المتنوعة وبدأ يتلاشى على مدى العقود الأخيرة. بشكل متزايد، تتعرض الأفكار غير النمطية للتجاهل، رغم أن مناهج الأفكار المثرثرة القائمة على الخوف والهيمنة الطبقية أثبتت مراراً عدم كفاءتها للتعامل مع التعقيدات والأزمات الحقيقية في العصر الحديث.

بدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى تعزيز التفكير النقدي والنقاش البنّاء وتشجيعهما. نحن نبذل قصارى جهدنا لضمان أن منتدانا "التحالف من أجل المواطنة المسؤولة (ARC)"، وهو تحالف دولي من السياسيين وقادة الأعمال والمفكرين والمعلقين الثقافيين، يساهم في سماع مجموعة واسعة من وجهات النظر على مستوى العالم.

استجابة العالم لوباء كوفيد كانت مثالاً حياً. بدافع الهلع، سادت فكرة الإغلاق الشامل في وقت مبكر جداً، وأولئك الذين كانت سياساتهم المقترحة مخالفة وصفوا بسرعة بأنهم "منكرو كوفيد". أما الحكومات التي ذهبت إلى أبعد مدى في الإغلاق فحظيت بالاحتفاء من جانب المثقفين وصفحات الرأي في الجرائد.

لقد تجاهل أولئك الذين يسعون جاهدين لكسب الفضل في الاستجابة الفورية ذات التفكير البسيط الجوانب السلبية الواضحة لعمليات الإغلاق الشاملة. وهكذا، رأينا زيادة في عدم المساواة في توزيع الدخل والثروة وفقدان فرص العمل على نطاق واسع، وانخفاضاً كبيراً في الإنفاق، وتدهوراً عاماً في الظروف الاقتصادية، بالإضافة إلى تدن خطير في الصحة النفسية والرفاهية، وتأخر الوصول إلى الرعاية الصحية وتقلصها، وتسجيل مستويات عالية من العنف المنزلي. تأثر تعليم الأطفال خاصة، فإغلاق المدارس حرم الأطفال في المتوسط أكثر من 7 أشهر من التعليم. يمكن أن يكلف التأثير الهائل في معرفة الأطفال 17 تريليون دولار من الأرباح مدى الحياة، وفقاً لبحث أجراه البنك الدولي واليونسكو واليونيسيف. عانى الأطفال والفتيات والأطفال ذوو الإعاقة أكبرَ الخسائر.

نحن بحاجة إلى إجراء محادثة جادة حول طريقة استجابتنا قبل الأزمة القادمة - وباء أو غير ذلك - للتأكد من أن العلاج ليس أسوأ بكثير من المرض. على سبيل المثال، المعالجة المخيفة لتغير المناخ. يبث النشطاء والمؤسسات الإخبارية الخوف، على شكل فيضانات وعواصف وجفاف، بينما يتجاهلون الإشارة إلى أن انخفاض الفقر وتعزيز الصمود يعنيان أن الكوارث المرتبطة بالمناخ ستقتل عدداً أقل من الناس. على مدار القرن الماضي انخفضت الوفيات بنسبة 97%. تستحوذ موجات الحر على العناوين الرئيسية، بينما على الصعيد العالمي، يقتل البرد تسعة أضعاف. درجات الحرارة المرتفعة التي تميز هذا القرن، بحسب ما يقال، أدت إلى عدد حالات وفيات مرتبطة بدرجات الحرارة أقل بـ166,000 إجمالاً.

إن الترويج للخوف وقمع الحقائق المزعجة حقاً يدفعنا دفعاً خطيراً نحو الحلول الخطأ: السياسيون والمحللون يطالبون جماعياً بسياسات الصافي الصفري التي من شأنها أن تكلف ما يتجاوز بكثير الـ100 تريليون دولار، بينما تنتج ما يوازيه من الفوائد الكبيرة. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على إجراء نقاش صادق للتكاليف والفوائد، حساب حقيقي مع الحقائق لإيجاد أفضل الحلول.

نحتاج أيضاً إلى إجراء محادثة أكثر نضجاً حول كيفية تقديم مساعدة أفضل لأربعة مليارات شخص يعيشون في النصف الأفقر من العالم. تعد الأمم المتحدة بكل ما يمكن تخيله في أهداف التنمية المستدامة: القضاء على الفقر المدقع والجوع والمرض، والحد من عدم المساواة والفساد، ووقف الحرب وتحسين تغير المناخ وتعميم التعليم، حتى سهولة الوصول إلى المتنزهات الحضرية. لكن الخطة التي تعتبر كل المشكلات هي الأزمة القهرية نفسها من دون تحديد الأولويات ليست خطة على الإطلاق؛ إنها مجرد وصفة لاستعراض العمل والقوة. هذا العام، 2023، يمثل منتصف المدة بين بداية الأهداف في عام 2016، وتحقيقها الافتراضي في عام 2030. نحن الآن في منتصف الشوط الأول، لكن لا نقترب من منتصف الطريق. حتى الأمين العام للأمم المتحدة يعترف بأن الأهداف "بعيدة من المسار الصحيح".

يجب أن نركز على الحلول الأكثر كفاءة أولاً. حدد أكثر من 100 اقتصادي والعديد من الحائزين جائزة نوبل مع "إجماع كوبنهاغن للأبحاث" أهداف التنمية المستدامة الواعدة والفعالة. يمكننا، على سبيل المثال، القضاء فعلياً على مرض السل، الذي لا يزال يقتل أكثر من مليون شخص كل عام، مقابل 6.2 مليارات دولار إضافية سنوياً. يمكننا استثمار 5.5 مليارات دولار أكثر في البحث والتطوير الزراعي في البلدان المنخفضة الدخل لزيادة مردود المحاصيل، ومساعدة المزارعين على إنتاج المزيد، وتقليل التكلفة على المستهلكين، ما يقلل من عدد الجياع بأكثر من مئة مليون سنوياً.

هناك عشرات المجالات يمكن عمل الكثير فيها مقابل القليل من المال نسبياً. يمكننا تعزيز التعلم في المدارس بكفاءة وبسرعة - وهو أمر مهم بعد عمليات الإغلاق أثناء كوفيد - وإنقاذ حياة الأمهات والأطفال الحديثي الولادة، ومعالجة الملاريا، وجعل المشتريات الحكومية أكثر كفاءة، وتحسين التغذية، وزيادة أمن حيازة الأراضي، ودعم نتائج التجارة، وتحسين الهجرة الماهرة، وزيادة معدلات تطعيمات الأطفال. هذه اثنتا عشرة سياسة معقولة وقابلة للتنفيذ يمكن أن تنقذ أكثر من أربعة ملايين شخص سنوياً، وتولد فوائد اقتصادية تزيد قيمتها عن تريليون دولار (أساساً في البلدان الفقيرة) مقابل إنفاق 35 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات السبع المقبلة.

يمكن أن يساعدنا "منتدى التحالف من أجل المواطنة المسؤولة" (ARC) الجديد في تصور المستقبل بطريقة إيجابية، مع التركيز على قدرة الأشخاص المتنافسين والمتعاونين تعاوناً مناسباً في العالم على حل أي مشكلات نواجهها، كما فعلنا في كثير من الأحيان، وغالباً بفعالية في الماضي. يجتمع مفكرو التحالف من جميع أنحاء العالم للقيام بذلك على وجه التحديد. كفى ترويجاً للخوف. يمكننا التركيز على ما هو مهم حقاً ويمكن تحقيقه، وبدء المناقشة العالمية الأكثر دقة التي تخص المشكلات التي ستواجهنا دائماً ومكافأتها، والتطلع بثقة إلى عالم أكثر وفرة، وأكثر فرصاً، وأكثر استدامة، وأكثر تفاؤلاً.

*د. بيورن لومبورغ هو رئيس إجماع كوبنهاغن وزميل زائر في معهد هوفر في جامعة ستانفورد. أحدث كتبه هو "أفضل الأشياء أولاً".
*د. جوردان ب. بيترسون أستاذ فخري في جامعة تورنتو، ومؤلف "خرائط المعنى" و"اثنتا عشرة قاعدة للحياة" و"ما وراء النظام".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات