تغير سلوك الدول المانحة .. الاعتماد على الذات في مواجهة نقص التمويل


جراسا -

بينما تتغير خريطة العالم السياسية والاقتصادية والأمنية بسرعة غير مسبوقة بات سلوك الدول المانحة يتخذ نهجا مختلفا في تقديم المساعدات للدول المحتاجة في ظل اختلاف الأولويات.


ومنذ أزمة "كوفيد 19" مرورا بالحرب الروسية - الأوكرانية الغربية، وصولا إلى الحرب الصهيو أميركية في الشروق الأوسط، اضطرت دول مانحة مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا إلى توجيه تمويلها إلى حلفائها في مناطق النفوذ مثل، أوكرانيا وكيان الاحتلال حفاظا على وجود حلفائها من جهة وتثبيت سيطرتها على الموارد ووجودها العسكري من جهة أخرى.

وفي ظل هذه المعادلة الجديدة، يتوقع خبراء، أن تتأثر بعض الدول التي تحصل على مساعدات من هذه الدول ومن بينها الأردن، ما يجعل الحاجة ملحة أردنيا لإيجاد مقاربة للتعامل مع هذه الأزمة المستجدة.
وأكد خبراء اقتصاديون، أن أي تقليص لحجم المساعدات الخارجية التي يحصل عليها الأردن سيفاقم مستوى الضغوط على المالية العامة الحكومية والبنية التحتية والخدمية ،علاوة على احتمالات تراجع معدلات النمو الاقتصادي.
وطالب الخبراء بضرورة العمل على تهيئة الاقتصاد الوطني للاعتماد على ذاته بصورة كبيرة وتغيير السياسات الاقتصادية القائمة، إضافة إلى وجوب التحول من الاقتصاد الخدمي والرعوي الاستهلاكي إلى الاقتصاد الإنتاجي وذلك بتخفيض كلف الإنتاج والتشغيل على القطاعات الإنتاجية خاصة قطاعي الصناعة والزراعة.
كما دعا هؤلاء، إلى أهمية ترشيد الإنفاق المحلي والعمل بصورة كبيرة على زيادات حجم الإيرادات العامة وتنشيط الطلب المحلي ، إضافة إلى أهمية دخول القطاع العام في مشاريع اسثمارية ذات جدوى تنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، إلى جانب ضرورة استثمار الطاقات البشرية والثروات الطبيعية.
ويرى الخبراء، أن استدامة تدفق المساعدات والبرامج الإنمائية على الاقتصاد الوطني في هذه المرحلة الحرجة، تستدعي أن يتم تنشيط الدبلوماسية الأردنية بصورة كبيرة على المستوى الاقتصادي، وتضاعف جهودها في توضيح حجم المعاناة والأزمة الاقتصادية التي يعانيها الأردن جراء أزمات اللجوء المتلاحقة وما يرتبه هذا العدد الكبير من اللاجئين من ضغوط على الاقتصاد المحلي، الذي يعاني أصلا من محدودية إمكانياته.
ويشار إلى أن إجمالي قيمة المساعدات الخارجية من المنح والقروض الميسرة الملتزم بها للأردن والموقعة خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، قد بلغت قرابة 2.437 مليار دينار.
وكانت ارتفعت المساعدات الدولية على مستوى العالم من الجهات المانحة الرسمية في العام الماضي، إلى أعلى مستوى جديد على الإطلاق قدره 223.7 مليار دولار أميركي ارتفاعا من 211 مليار دولار أميركي في العام 2022، نتيجة زيادة الدول المقدمة حجم تدفقات المساعدات إلى أوكرانيا، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وارتفعت المساعدة الإنمائية الرسمية لأوكرانيا، بنسبة 9 % في العام الماضي، مقارنة مع العام 2022، لتصل إلى 20 مليار دولار، فيما انخفضت المساعدة الإنمائية الرسمية المستخدمة لتغطية تكاليف اللاجئين داخل البلدان المانحة بنسبة 6.2 % في العام الماضي، لتصل إلى 31 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثل 13.8 % من إجمالي المساعدة الإنمائية الرسمية مقارنة بـ 14.7 % في العام 2022.
وقال عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني قاسم الحموري: "الأزمة الروسية الأوكرانية أدت إلى تحولات كبيرة في أولويات واتجاهات المساعدات الإنمائية والإنسانية المقدمة من الجهات المانحة في العالم، حيث إن الحصة الكبرى من هذه المساعدات تم توجيهها خلال السنوات الماضية، إلى أوكرانيا التي باتت تحظى باهتمام كبير على حساب غيرها من الأزمات".
وتابع الحموري، أن النزاعات الأخيرة في أكثر من منطقة حول العالم، ولا سيما عدوان الاحتلال على غزة، والصراع الداخلي في السودان، سينجم عنهما أيضا تقليص إضافي للمساعدات والبرامج الإنمائية للكثير من الدول المعتادة على هذه البرامج ومنها الأردن.
ويرى الحموري، أن الدبلوماسية الأردنية مطالبة في هذه المرحلة بأن تنشط بصورة كبيرة على المستوى الاقتصادي، وتضاعف جهودها في توضيح حجم المعاناة والأزمة الاقتصادية التي يعانيها الاردن جراء أزمات اللجوء المتلاحقة في العقدين الأخيرين مع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين إليها خاصة من العراق وسورية وغيرها، وما يرتبه هذا العدد الكبير من اللاجئين من ضغوط على الاقتصاد المحلي الذي يعاني أصلا من محدودية إمكانياته.
وشدد الحموري، على ضرورة ضغط الحكومة على المجتمع الدولي بالوسائل المتاحة كافة، لاستدامة تدفق المساعدات التي يحصل عليها، فضلا عن وجوب إيضاح أوجه الإنفاق التي تتجه إليها المساعدات والمجالات التي تغطيها.
وأكد الحموري، أنه من الضروري أن يتم في الوقت ذاته، إطلاق جهد حكومي لترشيد الإنفاق المحلي والعمل بصورة كبيرة على زيادة حجم الإيرادات العامة وتنشيط الطلب المحلي من خلال، دعم القطاعات الصناعية والزراعية وتخفيض الضرائب عليها وعلى المواطنيين كذلك، حيث من شأن ذلك أن يضمن تخفيف الضغوط على المالية العامة الحكومية وتحسين معدلات النمو الاقتصادي.
بدوره، أكد المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة، أن الدول البارزة في تقديم المنح والمساعدات أعادت جدولة أولوياتها ومصالحها في تقديمها للمساعدة، فجائحة "كورونا" أثرت على قدرتها المالية والانفاقية، كما أن هناك ميلا لدى هذه الدول لتوجيه القدر الأكبر من برامجها الإنمائية والمساعدات لأوكرانيا خدمة لمصالحها السياسية ضد روسيا.
وحذر زوانة، من أنه مع التوترات المندلعة في المنطقة نتيجة العدوان على قطاع غزة، إضافة إلى الصراعات المختلفة في العالم، فإنه من الممكن أن يطرأ تغير على هيكل وحجم المساعدات التي يحصل عليها الأردن، مما سيضيف ضغوطا جديدة على الاقتصاد الوطني الذي سيكون مطالبا بالمزيد من النفقات للتعامل مع أزمة اللجوء السوري.
كما دعا زوانة، إلى ضرورة إطلاق جهد دبلوماسي للتواصل مع مجتمع المانحين إلى إبراز الضرر الذي وقع على الأردن اقتصاديا، نتيجة أزمات اللجوء المستمرة ولا سيما، أزمة اللجوء السوري، علاوة على وجوب إيضاح مدى تأثر الاقتصاد المحلي أردنيا بالعدوان المستمر على قطاع غزة، إذ إن استمرار العدوان أضر بصورة بالغة بقطاعات السياحة والتصدير والاستثمار في المملكة.
إلى ذلك، طالب الخبير الاقتصادي فهمي الكتكوت، بضرورة العمل على تهيئة الاقتصاد الوطني للاعتماد على ذاته بصورة كبيرة ولا سيما، في ظل المتغيرات العالمية التي طرأت خلال السنوات الماضية، والتي أثرت على تدفق المساعدات الإنسانية والإنمائية لكثير من دول العالم، بما فيها الأردن مقابل تعاظم حجم هذه المساعدات لدول أخرى وبصورة هائلة كأوكرانيا .
وأوضح الكتكوت، أن الاعتماد على الذات واحتمالية تقلص المساعدات الخارجية التي تحصل عليها المملكة في ظل الأزمات المتعاظمة في العالم، يستدعي أن يكون هناك توجها حقيقيا من الحكومة نحو التحول من الاقتصاد الخدمي والرعوي الاستهلاكي إلى الاقتصاد الإنتاجي، وذلك يبدأ بدعم القطاعات الإنتاجية المختلفة، وتخفيض كلف الإنتاج والتشغيل لديها ومنحها مزيدا من الحوافز.
كما دعا، إلى ضرورة تخفيض النفقات الجارية، إضافة إلى أهمية دخول القطاع العام في مشاريع اسثمارية ذات جدوى تنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، إضافة إلى أهمية استثمار الطاقات البشرية والثروات الطبيعية التي تتوفر في الأردن، فضلا عن الاستثمار في التعليم وتطويره بما يتناسب مع حاجتنا التنموية والعملية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات