إشراك النواب في الإصلاح الإداري


أ. د. ليث كمال نصراوين*

أعلنت الحكومة قبل أيام عن مخرجات لجنة تحديث القطاع العام وعن أبرز ملامح الإصلاح الإداري الذي تنوي القيام به خلال السنوات القادمة، وفي مقدمته إعادة النظر في الوزارات الحكومية لصالح إلغاء بعضها ودمج البعض الآخر منها. هذا بالإضافة إلى هيكلة المؤسسات والهيئات المستقلة القائمة في مرحلة لاحقة، بغية التقليل منها وتجويد العمل فيها.
وقد أثارت هذه المقترحات الحكومية موجة عارمة من التساؤلات حول الأسباب والمبررات التي دفعت اللجنة الحكومية لتقديم بعض توصياتها، وفي مقدمتها اقتراح إلغاء وزارة العمل، وتوزيع اختصاصاتها بين وزارتي الداخلية والصناعة والتجارة والتموين. فقد تعالت الأصوات المناهضة لهذا المتقرح بحجة أنه يتنافى مع الدور المأمول للحكومة في تنظيم سوق العمل، وحماية حقوق العمال من سلطة رب العمل، والتي تتمثل أبسطها في وجود إدارة حكومية مركزية تعنى بشؤونهم الوظيفية، خاصة وأن وزارة العمل قائمة منذ عقود من الزمن، ولم تقترح أي حكومة سابقة إلغاءها.
وأمام هذه الردود الشعبية الغاضبة على مخرجات لجنة تحديث القطاع العام، فإن الحكومة مدعوة اليوم إلى مشاركة هذه المقترحات مع مجلس النواب لمناقشتها وإقرارها، قبل الشروع في تنفيذ أي من التوصيات الواردة فيها.
وقد يعارض البعض هذا المقترح بحجة أن ما تقوم به الحكومة من مراجعة شاملة للأسس التي تقوم عليها الإدارة المركزية واللامركزية في الأردن يدخل ضمن سلطاتها الدستورية في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية كما هي مقررة في المادة (45/1) من الدستور، وأن مجلس النواب يفترض أن يقتصر دوره على الرقابة على تنفيذ الحكومة لبرامج عملها، بحيث يمارس رقابته البرلمانية على كافة القرارات الصادرة عنها في هذا الإطار.
إن الولاية العامة لمجلس الوزراء حق ثابت لا يمكن المنازعة حوله، وأن الإصلاحات السياسية التي بدأت فيها الدولة الأردنية في قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية والتعديلات الدستورية تهدف إلى تكريس هذه الولاية العامة من خلال الانتقال التدريجي لمفهوم الحكومة البرلمانية، التي يشكلها الحزب الفائز في الانتخابات أو مجموعة من الأحزاب ذات التمثيل الأكبر في البرلمان، والتي يتطلب لنجاحها ثبوت الحق الدستوري للحكومة في تطبيق برامجها وأهدافها التي تم انتخاب الحزب المكون لها على أساسه.
إلا أنه ونظرا لما تضمنه تقرير لجنة تحديث القطاع العام من مقترحات جوهرية تمس الإدارة العامة وحالة الاستياء التي يعبر عنها المختصون في علم الإدارة من بعض التوصيات، فإن مناقشة هذا التقرير مع ممثلي الشعب والاستماع لملاحظاتهم حوله من شأنه أن يضفي على هذه المخرجات الصفة الشعبية والدستورية، والتي ستسهل من مهام الحكومة في تنفيذها على أرض الواقع، وذلك من خلال السماح لكافة الأطياف الاقتصادية والاجتماعية ومن خلال ممثليهم في التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم في هذه التوصيات المقدمة.
إن تحديث الإداري وإن كان استمرارية لعمليتي التحديث السياسي والاقتصادي، إلا أنه يختلف عنهما اختلافا جوهريا في الجهة المختصة بتنفيذ هذه الإصلاحات الإدارية. فتحديث المنظومة السياسية قد انعدم فيه دور مجلس الوزراء بسبب التوجيهات الملكية السامية للحكومة بأن تتبنى مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، وبأن تدفع بها إلى مجلس النواب باعتباره صاحب الولاية العامة في التشريع وإصدار القوانين.
وفيما يتعلق بتحديث المنظومة الاقتصادية، فقد تصدر مجلس النواب المشهد العام من خلال دوره الدستوري في إقرار مشروع قانون البيئة الاستثمارية الجديد لعام 2022، والذي ترى فيه الحكومة أن يشكل الركيزة الأساسية للإصلاح الاقتصادي.
أما فيما يخص الإصلاح الإداري، وبالنظر إلى التوصيات المقدمة من اللجنة المعنية، فإن تنفيذها على أرض الواقع يدخل في صميم الاختصاصات الدستورية لمجلس الوزراء، وذلك فيما يخص إلغاء الوزارات ودمجها، والذي سيتم من خلال إقرار وتعديل وإلغاء أنظمة التنظيم الإداري لكل منها عملا بأحكام المادة (120) من الدستور.
بالتالي، سينعدم أي دور لمجلس النواب على الأقل في المرحلة الأولى والأهم من التحديث الإداري، بانتظار المرحلة اللاحقة التي تتعلق بدمج وإلغاء الهيئات المستقلة، والتي سيقتصر دور المجلس النيابي على إقرار قانون معدل لقانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر الحكومية.
إن التشاركية بين السلطات الحاكمة في الأردن وتكريس نظام الحكم النيابي يجعل من الحكمة أن يتم إشراك مجلس النواب في إقرار مخرجات تحديث المنظومة الإدارية، وألا يقتصر دوره على طرح الثقة بالوزارة أو بالوزير المعني في حال عدم تحقيق هذه التوصيات للنتائج المرجوة منها.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات