مقال: حقيقة السعادة


يُحكى أن مذيعاً سأل ضيفه المليونير: ما أكثر شيء أسعدك؟ فقال الضيف: لم أعرف السعادة بإقتناء الأغلى من المنازل والسيارات، ولا بإمتلاك المشاريع الكبيرة والفنادق والمولات، لكننّي وجدتها عندما طلب مني صديق أن أساهم بشراء كراسي كهربائية متطورة لمجموعة من ذوي الإحتياجات الخاصة من الأطفال، وأصرَّ أن أقدمها لهم بنفسي، فرأيت الفرحة على وجوههم وهم يتحركون في كل إتجاه بالكراسي ويضحكون من قلوبهم، لكن ما أدخل السعادة الحقيقية على قلبي هو عندما تمسّك أحدهم برجلي وأنا أهُمُّ بالمغادرة، حاولت أن أحرر رجلي من يده برفق، لكنّه ظل ممسكاً بها، بينما عيناه تركزان بشدة في وجهي، فانحنيت لأسأله: هل تريد شيئا آخر مني قبل أن أذهب؟ فكان الرد الصاعق الذي عرفتُ منه معنى السعادة الحقيقية، وغيّر لي حياتي بالكامل، عندما قال لي والدموع تترقرق في عينيه: "أريد أن أتذكر ملامح وجهك جيداً، حتى أعرفك حين ألقاك في الجنة، وأشكرك مرةً أخرى أمام ربي".

هل تتذكر كم اللهفة والشوق والإهتمام الذي كنت تحمله لحقيبتك المدرسية الجديدة؟ وهل تتذكر كيف كنت ترمي بها قبل إنتهاء الفصل الدراسي؟ وهل تتذكر مقدار حرصك على سيارتك الجديدة؟ وكيف أصبحت تعاملها بعد مرور عدة أشهر أو سنوات؟

لقد إعتدنا اليوم تواجد الكثير من الأشياء من حولنا، والتي كانت يوماً سبباً من أسباب سعادتنا، وبعد أن توفرت في حياتنا؛ ما عدنا نلتفت إليها.

قد يعتقد البعض أن السعادة تتلخص في الحصول على مصدر للدخل، أو من خلال رصيد محترم في البنك، أو في بيت واسع، أو سيارة فخمة، ومع أن جميع ما سبق لا بد وأنها تُعتبر من أسباب السعادة؛ إلا أنها سعادة جزئية بسيطة لا تدوم، وتزول بعد فترة قصيرة بسبب إعتبادنا لوجودها في حياتنا.

ومن الممكن تعميم هذا المبدأ على جميع الأشياء المادية من حولنا، بل حتى إن الزواج قد يكون للبعض سعادة مؤقتة بالشريك الجديد، تزول بعد أن يعتاد بعضهم الآخر.

ولكن هنالك من الأشياء التي تُدخل السعادة في قلوبنا مهما طال بها الزمان حولنا، فالبعض قد يجد السعادة في سماع بعض المقاطع الموسيقية، أو في مشاهدة شروق الشمس وغروبها، أو في مساعدة المساكين والمحتاجين، أو مجالسة كبار السن وإستقاء الحِكم منهم، أو مداعبة الأطفال والإستماع لضحكاتهم.

من الملاحظ بأن جميع ما سبق هو أشياء روحية ومعنوية، وهي التي تستمر في منحنا الشعور بالسعادة، تماماً كما حصل مع الضيف المليونير، فلم يعُد أمواله وممتلكاته من أسباب سعادته، بل بسمة طفل صغير كانت كفيلة بذلك.

إذا كنت تبحث عن السعادة الدائمة، توقف عن البحث عنها في أشياء مادية، هاتف جديد قد يبهج قلبك لأسبوع، وسيارة جديدة قد تسعدك لسنة، وزوج قد يرسم البهجة على وجهك لعدة سنوات، ولكن السعادة الدائمة تكون دائماً في الشعور الذي محله القلب، في إعطاء الحب للآخرين، وفي مساعدتهم والوقوف الى جانبهم، وربما كان هذا هو السبب في إفناء البعض أموالهم وأوقاتهم في الأعمال التطوعية والخدمات المجتمعية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات