كلما كتبنا عن القدس مذكرين اهلها بالمخاطر المحيقة بها, تهب علينا عاصفة مدوية من الشتم والقذف تصل حد إتهامنا بالعنصرية والزندقة والردة دونما سبب , اللهم إلا أن الغالبية العظمى من اهلها وسكانها لا يرغبون برؤيتها محررة وعاصمة لفلسطين .
ففي الوقت الذي تنفق فيه اسرائيل هذه الايام (30) مليون دولار, لتزييف وتغيير واقع ومعالم القدس ديمغرافيا وجغرافيا , نجد اهلها ممن يملكون وثائق تسمح لهم بالعيش فيها ينفقون الملايين لتزيين الجبال المحيطة بعمان بالمزارع والقصور الفارهة .
فبالامس القريب اتخذت اسرائيل قرارا للبدء بمشروع بناء وحدات سكنية لتغيير جغرافية القدس وديمغرافيتها خلال خمسة اعوام قادمة , حيث يعتبر هذا المشروع الاسرائيلي الاكبر من نوعه في القدس منذ تأسيسها , والاول بعد قرار تجميد بناء المستوطنات , ولانجاحه فقد باشرت في تنفيذ الوجبة الاولى من مشروعها ببناء( 1712 ) وحدة سكنية , كل وحدة سكنية عدد سكانها على الاقل 3 مواطنين بواقع 5136 مستوطنا سيقطنون القدس قريبا جدا في اقل من عام , في حين ان القراءات الاولية تشير الى وجود اكثر من 32 الف مقدسي يجوبون عمان ليل نهار ويحملون تصاريح اقامة في القدس ويعارضون الذهاب اليها لاحباط مشروع اسرائيل لا خوفا منها ومن أذيتها, بل خوفا من سحب الارقام الوطنية الاردنية منهم .
فإلى متى سنبقى نبكي ونرثي القدس والخوف على ضياعها ونرفع شعار الجهاد والتضحية لها ونحن جزء كبير من ضياعها؟ .
ففي حين نجد اليهود يتحدون المستحيل ويعارضون العالم بأسره لتنفيذ مشاريعهم التي تخدم دولتهم بتوزيع المستوطنات للاحاطة بالقدس , نعمل نحن في عمان مؤتمرات ومنتديات ونقوم بشراء الاراضي حول جبالها لبناء اجمل القصور والفيلل والمزارع.
فلنتقي الله في القدس وأقصانا ,وليعد كل مواطن فلسطيني اليها وفورا , وخاصة ممن يحملون تصاريح ووثائق اقامة فيها , فلقد تشابهنا كثيرا مع اليهود في مسألة البناء,ولكنه تشبه ليس بصالح القدس , ففي حين وزعت اسرائيل جهدها لبناء 1712 وحدة سكنية موزعة على كل ارجاء القدس كالاتي : 76 وحدة استيطانية في مستوطنة كيدوميم و60 وحدة سكنية في مستوطنة رببا و58 وحدة سكنية في مستوطنة اليعزر و42 وحدة سكنية في مستوطنة كروميه تسور و30 وحدة استيطانية في مستعمرو بنريا و25 وحدة سكنية في مستوطنة شاكير و24 وحدة سكنية في مستوطنة بريجان و18 وحدة سكنية في مستوطنة عتيرون و15 وحدة سكنية في مستوطنة سوساسيا و11 وحدة سكنية في مستوطنة معاليه نحماش , قام اهل القدس ببناء وشراء اكثر من 20 الف شقة في عمان وغيرها .
فمن يعرف جغرافية القدس يجد بأن هذه الوحدات السكنية ستلف القدس لف الاسوارة بالمعصم , لابتلاع اراض الغائبين او البائعين, لتغيير ديمغرافيا السكان فيها لصالحهم على حساب العرب الذين يشكلون هذه الايام النسبة العظمى في القدس الشرقية , وسيبيتون اقلية تخدم اسرائيل لاحقا في المفاوضات القادمة حين ترى اسرائيل ان الجلوس على طاولة المفاوضات بالنسبة للقدس, سيحقق لها النصر المبين بمباركة ومساعدة اهلها القاطنيين في عمان خوفا من سحب الارقام الوطنية.
فلننتبه جيدا لاسرائيل فهي حين تعرقل المفاوضات فانها تفعل ذلك عن قصد وعمد للبحث عن مصالحها بكسب الوقت لتغيير ديمغرافيا السكان في القدس بعد ان تكون قد غيرت جغرافيتها , ونحن للاسف نعرقل المفاوضات لصالحها دون ان ندري , بتحججنا بالضيق للهرب من القدس وفلسطين .
فكل ما تقوم به اسرائيل الان في القدس سيغير واقعها جغرافيا وسكانيا خلال السنتين القادمتين إن لم يسرع اهلها بالعودة اليها لانقاذها , وستشكل عودتهم للقدس وسيلة ضغط على اسرائيل امام الرأي العالمي , وغير ذلك ذلك سيشكل بقائهم في عمان واقعا يحمل صعوبات مستقبلية بالنسبة لهم, ستضعهم في خانة ضيقة لن يجني الجلوس فيها ثمارا بالنسبة لعاصمة فلسطين القدس الشرقية, بعد ان تسمح اسرائيل ببدء المفاوضات حول القدس وهو ما سيحصل خلال السنتين القادمتين بعد ان تكون قد انهت مشروع تصفية القدس الشرقية لصالحها, وستبادئ اسرائيل بنفسها لدعوة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات, ولكن بعد ان تكون نسبة اليهود من سكان القدس الشرقية حوالي 90% مقارنة بالعرب.
وقفة للتأمل:" إن حُب الدنيا رأس كل خطيئة ".
Quraan1964@yahoo.com
* عضو اتحاد الكتاب والادباء الاردنيين