بوتين يعدّ روسيا لمواجهة الأزمات


جراسا -

عُرض، يوم الخميس، على مجلس الدوما الروسي، مشروع قانون بشأن الضمانات الإضافية لحصانة رؤساء الدولة الروسية المنتهية ولايتهم.

وقبل أسبوع، قُدّم مشروع قانون، ينص على إمكانية العضوية مدى الحياة في مجلس الاتحاد للرئيس المنتهية ولايته عقب انتهاء مدته الرئاسية، أو قبل الموعد المحدد.

وكان مجلس الدوما قد اعتمد في وقت سابق، منتصف أكتوبر الماضي، قوانين بشأن تشكيل الحكومة ومجلس الدولة. وعلى وجه الخصوص، سيصبح رئيس الدولة، بموجب هذه القوانين، قادرا على تعيين رئيس الوزراء والوزراء بنفسه، إذا ما رفض البرلمان الموافقة عليهم ثلاث مرات (وفقا للدستور الحالي، لا بد من موافقة البرلمان على تعيين رئيس الوزراء والوزراء، باستثناء ما يسمى بـ " وزراء كتلة السلطة"). يمكن للرئيس أيضا إقالة رئيس الوزراء، ووزراء بعينهم، وعرقلة مبادرة مجلس الدوما لإقالة الحكومة. وإذا تكرر قرار المجلس بإقالة الحكومة، فعلى الرئيس إما أن يوافق على الإقالة، أو يحل البرلمان ويعلن عن انتخابات جديدة.

تتيح التعديلات الدستورية الجديدة على مجلس الدولة تحويله، إذا ما توفرت الضرورة والرغبة لدى رئيس الدولة، إلى سلطة هامة، ذات صلاحيات واسعة بما يكفي، لتعد قرارات الرئيس وتراقب عملية تنفيذها.

ونذكر أن مواطني روسيا قد وافقوا في استفتاء شعبي، الصيف الماضي، على تعديلات دستورية، كان من بينها منح الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، إمكانية الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024.

بطبيعة الحال، اعتبرت المعارضة والغرب ذلك محاولة من الرئيس بوتين البقاء في السلطة لفترة غير محدودة. في رأيي، ليس لهذه المخاوف أي أساس من الصحة، وإنما أراد فلاديمير بوتين فقط التلميح ووضع نقطة نظام للمسؤولين والأوليغارشية الروسية، بأنهم بحاجة فقط إلى العمل، والعمل فحسب، بدلا من الإسراع بوضع الخطط والآمال لمجموعات نفعية جديدة بعد 2024.

تشير المبادرة التشريعية الجديدة، باعتقادي، إلى أن فلاديمير بوتين يدرك جميع المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها البلاد، نتيجة وجود شخص واحد في سدة الحكم لمدة غير محدودة. فالقوانين التي تضمن حصانة الرؤساء السابقين تعد الشرط الأساسي المسبق للانتقال السلمي والقانوني للسلطة في دولة مثل روسيا، اجتازت طريقا صعبا نحو الديمقراطية.

في الوقت نفسه، فإن القانون ينشيء مجلسا للدولة، كي يصبح منبرا متاحا لتنفيذ النموذجين الصيني والكازاخستاني، الناجحين للغاية، عندما يظل زعيم الدولة، بعد انتهاء فترة ولايته، قائدا وطنيا، قادرا على مواصلة تصحيح المسار السياسي للبلاد والمشاركة في تحديده.

كملخص عام، أرى أن بوتين كعادته، وربما وفقا لوصايا الاستراتيجي العسكري الصيني، صن تزو، يفتح لنفسه طيفا واسعا من الفرص السانحة، حتى لا يجعل أمام أعدائه فرصة لتكوين فكرة واضحة عن نواياه. في الوقت نفسه، سوف يتخذ في الوقت المناسب القرار الأكثر تلبية للمصالح العليا لروسيا.

في الوقت ذاته، وكما قال الرئيس الروسي شخصيا مؤخرا، إن العالم يدخل مرحلة من التحولات الهائلة. وأعتقد أنه في سياق الانهيار الوشيك للنظام الاقتصادي العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية، ستخضع جميع الدول لاختبارات قاسية، ولن يتمكن بعضها من البقاء. في ظل هذه الظروف، يظهر جانب آخر من هذه المبادرات التشريعية ذو أهمية خاصة، وهو القضاء على أي مواقف يمكن أن تؤدي فيها المواجهة بين القوى السياسية أو بين السلطات الثلاث إلى شل عمل الحكومة المركزية، كما نرى ما يحدث في السنوات الأخيرة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. حيث تظل روسيا جمهورية رئاسية قوية، وفي حالة الأزمات، سيكون للرئيس، أيا كان، كل السلطات لكسر الجمود، والحفاظ على فعالية جميع السلطات.

وبصرف النظر عما يمكن أن يبدو ذلك أقرب أو أبعد عن الديمقراطية، فإن الخطوات الأخيرة تزيد بنحو كبير من قدرة روسيا على الاستجابة السريعة والفعالة للتحديات الطارئة التي تواجهها، بغض النظر عن شخصية الرئيس، وما سيفعله بوتين بعد عام 2024.

أعتقد أن تلك ستكون إحدى أقوى الميزات التنافسية المهمة للغاية لدى روسيا في السنوات القادمة، سنوات الاختبارات العصيبة.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات