علاقاتنا مع إسرائيل في أسوأ حالاتها الأسباب والنتائج


بلغة واضحة ومباشرة وصريحة لا ينقصها الإقدام ولا الشجاعة قال جلالة الملك عبدالله الثاني على ملئ مسامع الحاضرين ( إن العلاقات الأردنية الإسرائيلية في أسوأ حالاتها الآن منذ توقيع اتفاقية وادي عربة ( معاهدة السلام ) عام 1994 وقد ارجع جلالته جزء كبير من أسباب التدهور والتردي في العلاقات إلى قضايا داخلية في إسرائيل وقال نتأمل أن تتمكن إسرائيل من تحديد مستقبلها سواء في الأسابيع أو الأشهر الثلاثة المقبلة ) لتعود الاتصالات والعلاقات إلى سابق عهدها جاء ذلك خلال مشاركته بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله وسمو الأمير الحسين ولي العهد في نيويورك الخميس الماضي ضمن جلسة حوارية نظمها " معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى " عقب تسلم جلالته جائزة " رجل الدولة – الباحث " لعام 2019 وقد تركز الحديث في معظم المحاور حول مجمل التطورات في منطقة الشرق الأوسط وخطر الإرهاب والتطرف ومساعي تحقيق السلام وقد بلغ التراجع في العلاقات بين الطرفين لدرجة رفض الملك عبد الله الثاني استقبال أي اتصالات هاتفية من النتن ياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الكاذب والمخادع.

لقد أراد جلالة الملك من خلال فتح باب النقاش المشرع حول مستقبل العلاقات بين الطرفين في هذا المعهد بالتحديد والذي يعتبر ( أحد المؤسسات البحثية الكبيرة المحسوبة على إسرائيل ) أن يتحدث الملك عن الإسرائيليين عبر ومع مؤسسات داعمة بقوة لهم في معظم زوايا المجتمع الأمريكي ومن اجل شرح وجهة النظر وطبيعة الموقف الأردني ثم لتوجيه رسالة حول كيف يمكن أن تكون العلاقات تشاركية ومستقرة فيما الاعتداء على الإنسان والأرض مستمر وبشكل يومي مع تزايد السياسات التوسعية والعنصرية الإسرائيلية وعدم احترام الاتفاقات الموقعة واستمرار سياسة التهويد والاقتحامات والانتهاكات والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.

وتكرار تهديدات العلنية قادة الاحتلال للمملكة والتحريض على القضايا العربية ومحاولة ضم غور الأردن وإيقاف تنفيذ مشروع قناة البحرين والنأي عن مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستجابة لمبادرة السلام العربية التي تبناها العرب في مؤ تمر قمة بيروت عام 2002 كل ذلك جرى ويجري في ظل الضغط والدعم والانحياز الأمريكي اللا محدود لإسرائيل والذي تفاقم بعد ثبات الموقف الأردني تجاه بعض السياسات الأميركية حيال القضية الفلسطينية مثل الاعتراف بالمستوطنات وضم القدس والجولان فضلا عن معارضته مشروع صفقة القرن التصفوية ورفضع تغييب حل الدولتين ووقوفه في وجه كل محاولات تغيير الوضع القانوني للقدس الشرقية والهوية التاريخية الأصيلة للمدينة المقدسة وعدم موافقته على إعادة تأجير منطقتي الباقورة والغمر مما أدى إلى تآكل عامل الثقة بين الطرفين اتساع هوة الخلافات.

للحقيقة والمصداقية التاريخية نقول ان العلاقات الأردنية الإسرائيلية لم تكن من حيث المبدأ جيدة في أي وقت من الأوقات منذ توقيع اتفاقية وادي عربة إلا في الأسابيع اللاحقة لتوقيع الاتفاقية وبعد ذلك انقلبت الأمور مع بدء محاولة إسرائيل تعقيد الأمور وخصوصاً في الشق الاقتصادي وما يتعلق بالتصدير عبر ميناء حيفا وعدم الوفاء بتعهداتها في حصة الأردن من المياه حيث أيقن الأردن إن العلاقات مع إسرائيل هي من جانب واحد فقط و بلا أي مكاسب وقد أصبحت تشكل عبئا داخليا مكروها لا بد من التحلل من قيودها المكلفة والمعقدة.

ويتساءل الكثيرون في هذا المجال وباستغراب بالغ ماذا استفاد الأردن من العلاقة مع إسرائيل سابقا وماذا سيستفيد مستقبلا من عملية السلام برمتها والتي يرون فيها خدعة كبرى لان إسرائيل لا تريد السلام أصلا فمنذ اتفاقية وادي عربة لم نرى لديها مجرد النية في التوجه نحو السلام ولم تلمح يوما انها سوف تساعد الفلسطينيين على إنشاء دولتهم المستقلة بل على العكس الأمور تزداد سوءا بالتضييق على غزة والضفة فمتى سيتوقف الحكام العرب عن التعويل على التغير في الموقف من إسرائيل ومن يحكم فيها الم يحن الوقت كي يعلموا أن إسرائيل عدو مغتصب لا أمان ولا عهد ولا ذمة والاولى مقاطعته لا التطبيع معه حيث لا فرق عندهم بين يسار ويمين فكلهم يرتشفون من كأس الغدر ونكث العهود ويتزودون بالكذب والتضليل.

فهاهي عشرون عاما انقضت على توقيع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية والكثير من الأسئلة المفتوحة عن ( الحدود والقدس وقضايا اللاجئين والنازحين ) لا تزال تنتظر الإجابات والعلاقات مع تل أبيب أصبحت غير مستقرة وتزداد برودة وتوتر ومعاهدة السلام يتهددها خطر كبير ( يأتي من الجانب الإسرائيلي ) بسبب سياسات الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة على مر السنين الماضية في ظل تفاقم الوضع الجيو سياسي في الأردن نتيجة للأحداث الإقليمية والدولية ومن الأمور التي ساهمت في توتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية سياسات الإدارة الأميركية التي أدارت ظهرها للأردن في ظل رئاسة دونالد ترامب العجفاء.

منذ سنوات عديدة والمجموعات العنصرية اليمينية بقيادة النتن ياهو تتمترس خلف سياسات وممارسات استفزازية متواصلة لمضايقة الأردن وإحراجه وقد ظهر منها مؤخرا الإعلان عن ضم شمالي البحر الميت والأغوار رسميا إلى إسرائيل وقبلها الاستهداف الممنهج لشرعية الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة خصوصا بعد موافقة الحكومة الليكودية على دعوات المستوطنين للصلاة في باحة المسجد الأقصى والذي اعتبر أكبر تعدي إسرائيلي على الحقوق الدينية والتاريخية التي كفلتها معاهدة السلام والمواثيق والقوانين الدولية ولا زال الأردن ينظر بالشك والريبة للنيات الإسرائيلية المبيتة اتجاه أرضه وسكانه مع وجود رقض مطلق وغضب شعبي كبير لدى الأردنيين والبرلمان والقوى السياسية لأي علاقة مع دولة الاحتلال التي تنتهك اتفاقية السلام بقتل واعتقال أردنيين.

تصريحات جلالة الملك كانت في مكانها وزمانها وتعكس مرارة الواقع وقد استطاع من خلالها تحريك عش الدبابير في عمق المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على النتن ياهو وكشف سواته وسوء اقواله وضعف إدارته وتعلقه بالوعود الانتخابية المبالغ فيها والتي أضرت بمصالحة وسمعة إسرائيل المنهارة أصلا خاصة بعد ورود معلومات من الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية العميقة وتحديدا من جهاز الموساد تعبر عن الأمل بأن لا تعتبر العاصمة الأردنيّة مواقف نتنياهو وحزبه هي الأساس في نظرة إسرائيل أو عمقها للعلاقة مع الأردن في سعي مسبق منهم لتبديد المخاوف الأردنية والتأكيد على أن العمق الإسرائيلي لم ينقلب على الدولة الأردنية ولا زال يطالب باستئناف التواصل والعمل.

من المؤكد ان رحيل النتن ياهو وزمرته لن يغير من حقائق الأرض والواقع شيء في ظل إصرار الكيان الصهيوني المحتل على المضي قدوما في خطته بتهميش الفلسطينيين وتهجيرهم و مواصلة سياساته التوسعية ومحاولات التطبيع في المحيط العربي وبغض النظر عن آية حكومة كانت في تل ابيب لا يوجد لديهم جميعا أي رغبة صادقة لخلق سلام حقيقي او بناء شراكة عملية ومثمرة وان استمرار الاحتلال إلى يومنا هذا يعتبر مأساة أخلاقية عالمية فلا يمكن لاحتلال أو نزوح أو إجراءات تتخذ بالقوة أن تمحو تاريخ شعب أو آماله أو حقوقه بالمساواة والعدالة وتقرير المصير.

ولا زلنا وسنبقى نعتقد بأن ( حل الدولتين هو الحل الحقيقي الوحيد ) وهو الأفضل والأنسب من بقاء دولة يهودية واحدة مسيطرة تمارس سياسة الفصل العنصري بقوانين غير متساوية وتعتمد على بطش القوة الظالمة مما يؤدي إلى استمرار الصراع وإغلاق أي سبيل نحو الأمن والاستقرار والسلام.

أخيرا إن تذكير جلالة الملك للساسة الإسرائيليين بأن الأشهر الثلاثة المقبلة أساسية لتقييم الموقف واستعادة الشراكة من أجل السلام كان بمثابة إضاءة لبصيص من الأمل في النفق المظلم الطويل خوفا على المستقبل والأجيال المقبلة فإذا ما استمر الواقع على ماهو علية من التهميش واللا مبالاة وسياسة القهر والعدوان والغطرسة والعنجهية فالنتيجة الحتمية ستكون الانهيار والسقوط والانزواء خلف جدران العزلة واستشراء الكراهية والعنف والقطيعة وقد اعذر من انذر.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات