"نيويورك تايمز": إدارة ترامب رفضت حماية مراسلنا في مصر


جراسا -

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لناشرها إي جي سولزبيرغ، عن التهديدات المتزايدة على الصحافة حول العالم، اتهم فيه إدارة دونالد ترامب بالتلكؤ عن حماية مراسلها في مصر من الاعتقال، حيث قال دبلوماسي في القاهرة إن الإدارة لن تحميه ولهذا اتصل الناشر بالسفارة الإيرلندية لحماية مراسلها ديكلان وولش.

وقال سولزبيرغ إن الحادث وقع عام 2017 عندما أخبر مسؤول أمريكي الصحيفة أن مراسلها بات عرضة للاعتقال المحتوم. ومع أن هذه المكالمات ليست عادية إلا أن المسؤول أخبرها أنه اتصل بها بدون علم الإدارة وعبر عن اعتقاده أن إدارة ترامب لن تتدخل لمنع اعتقاله.

وقال الناشر: “بعدما لم نستطع التعويل على حكومتنا لمنع اعتقال أو تحرير ديكلان لو سجن، قمنا بالاتصال ببلده الأصلي، أيرلندا، طلبا للمساعدة. وفي أقل من ساعة ذهب دبلوماسي أيرلندي إلى بيته وأخذه آمنا إلى المطار قبل أن يتم اعتقاله”.

وشجب سولزبيرغ ترامب وهجومه المتكرر على الصحافة الحرة ووصفها بـ”الأخبار المزيفة”، وهو ما ساعد على قمع الصحافة حول العالم.

وقال: “لقد قام بمنح القادة الأجانب الرخصة لعمل نفس الشيء مع صحافيي بلادهم بل وأعطاهم نفس الكلمات لعمل الأمر، وقد تبنوا مدخله بحماسة مطلقة”.

وقال سولزبيرغ إنه قام وزملاءه بالبحث في انتشار الأخبار المزيفة “وتوصلنا لنتائج مقلقة: ففي السنوات الأخيرة استخدم أكثر من 50 رئيس وزراء ورئيسا وقادة حكومات أخرى في القارات الخمس مصطلح “أخبار مزيفة” لتبرير وبمستويات متعددة الحرب على الصحافة”.

وأشار سولزبيرغ إلى فيكتور أوربان الرئيس الهنغاري والفلبيني رودريغو دوتيرتي، وكذلك قادة ميانمار لتبرير التطهير العرقي لمسلمي الروهينجا. وقال سولزبيرغ إن المراسلين الأجانب “جنود على الجبهات الأولى في المعركة لحرية الصحافة، وهم الذين يدفعون الثمن العظيم لخطاب الرئيس ترامب المعادي للصحافة”.

وجاء كلام ناشر نيويورك تايمز في محاضرة ألقاها يوم الإثنين بجامعة براون بعنوان “التهديد العظيم للصحافة حول العالم”، قال فيها إن الصحافيين يدفعون ثمن الدور الذي يلعبونه من أجل التأكد من حصول المجتمع على المعلومات بحرية.

وقال إن “مهمتنا في نيويورك تايمز هي البحث عن الحقيقة ومساعدة الناس على فهم العالم. وهذه المساعدة تأخذ عدة أشكال، من التحقيق في الانتهاكات الجنسية التي أدت إلى ظهور حركة هاشتاغ (مي تو)، إلى التحقيقات العلمية التي كشفت عن دور التكنولوجيا في تشكيل كل شكل من أشكال الحياة المعاصرة، وإلى التعليقات الثقافية القوية كما أعلنا أن “إبرول سبترز ليس مشروبا جيدا”.

وقال إن صعود القومية التي تدفع الناس للانعزالية دفع صحيفته للتأكيد على نشر النور إلى الخارج. ويرى أن ما يميز الصحيفة أن لديها المصادر الكافية لتغطية أخبار العالم. ومع هذا تأتي المسؤولية في الجري وراء القصة مهما كانت المخاطر أو الصعاب. فلدى الصحيفة مراسلون في أكثر من 160 دولة، في العراق وأفغانستان لنقل آثار الحروب التي مضى عليها عقود، وفي فنزويلا واليمن للكشف عن الفساد والنزاع وكيف أديا إلى مجاعات واسعة، وفي ميانمار والصين حيث يتحايل مراسلوها على مخبري النظامين لنقل حقيقة ما يجري من انتهاكات للمسلمين فيهما.

وتحدث عما تعرض له المراسلون من مصاعب في جريهم وراء الخبر، القتل والتشويه والقصف وتحطم المروحيات والضرب على أيدي العصابات والاختطاف والسجن على أيدي الأنظمة الديكتاتورية.

ويعتقد سولزبيرغ أن تغطية الحرب الأهلية الأمريكية علمت الصحيفة كيفية حماية ودعم الصحافيين في الميدان. وأشار إلى أن ميزانية غرفة الأخبار تشتمل سنويا على مواد للحماية من سترات واقية وسيارات مصفحة للتأكد من سلامة المراسلين خاصة من يقومون بمهام خطيرة. وقال إن العاملين في مكاتب الصحيفة يشعرون بالقلق الدائم نظرا لوجود مراسلين لهم في مناطق الحروب والمجاعات والأمراض. و”لكننا شعرنا بالراحة أنه بالإضافة لكل تحضيراتنا وضمانات السلامة التي نقوم بها، أن هناك شبكة حماية مهمة: حكومة الولايات المتحدة”، مضيفا: “وعلى مدى السنوات الماضية لقد تغير شيء بطريقة درامية، فهناك حول العالم حملات مستمرة لملاحقة الصحافيين للدور الرئيسي الذي يقومون به والتأكد من مجتمع حر ومثقف، ومنع الصحافيين من فضح الحقائق غير المريحة ومحاسبة السلطة”.

وقال: “هناك عدد متزايد من الحكومات حول العالم تقوم بجهود واضحة وأحيانا عنيفة لتشويه عمل الصحافيين واستفزازهم للسكوت”. ويعلق أن هذه هي حملة دولية على الصحافيين والصحافة، والأهم من هذا هي هجوم على حق الرأي العام لمعرفة ما يحدث وعلى الجوهر الرئيسي للديمقراطية وعلى مفهوم الحقيقة نفسها، و”ربما كان أكثر قلقا أن بذور هذه الحملة زرعت هنا، في بلد يفتخر بأنه مدافع شرس عن حرية التعبير وحرية الصحافة”.

ويعترف سولزبيرغ أن الصحافة ليست كاملة: “نرتكب أخطاء ولدينا نقاط سوداء وندفع الناس أحيانا للجنون”، إلا أن حرية الصحافة هي أساس لعافية الديمقراطية وأهم وسيلة نملكها كمواطنين؛ فهي تقوي الرأي العام من خلال تنويره عن القادة الذين يريد انتخابهم ومراقبة صدقهم. وهي شاهد صادق في ساعات المأساة والنصر وتقدم تجربة مشتركة من الحقائق والمعلومات تجمع المجتمع معا. وهي تمنح صوتا لمن لا صوت لهم وتبحث عن الحقيقة من أجل التغيير. ولكنها مع ذلك تتعرض خلال العقدين لضغوط متزايدة ولتحديات وجودية، منذ أن كنت مراسلا في “بروفيندس جورنال” في البلدة الصغيرة ناراغانيست حيث انهار النموذج الصحافي القائم على تجارة الإعلان مما أدى لخسارة نصف الوظائف في الصحافة بالبلد”.

وتحولت فيسبوك وغوغل إلى أكبر ناشرين للمعلومات في التاريخ وجلبتا معهما في الطريق فيضا من المعلومات المضللة، بالإضافة للجهود القانونية لمحاكمة من يبلغون عن معلومات وإضعاف الضمانات القانونية للصحافة ومصادرها. وتواجه الصحافة في كل أنحاء العالم وضعا أخطر “فقد كان العام الماضي هو أخطر عام سجل على حياة الصحافيين، قتل فيه العشرات وسجن المئات وعدد كبير من محاولات التهديد والتحرش”، و”يضم هؤلاء جمال خاشقجي الذي قتل وقطع على يد قتلة سعوديين، وماكسيم بوردين الصحافي الروسي الذي سقط من شرفة شقته في موسكو بعد كشفه عن عمليات الكرملين السرية في سوريا”.

ويقول سولزبيرغ إن العمل الصحافي الجاد عادة ما حمل مصاعب خاصة في الدول التي لا توجد فيها حمايات ديمقراطية، و”ما هو مختلف اليوم هو أن حملات القمع الوحشية أصبحت مقبولة وربما شجعها بطريقة تكتيكية رئيس الولايات المتحدة”.

وتعرف هذه الدول أن أهم تصدير لأمريكا هي حرية الصحافة، ولهذا تشتكي وتغضب من كشف الصحافة الأمريكية عن أسرارها، إلا أن الالتزام الأمريكي بحماية الصحافة لم يتغير، فعندما ضرب الجيش الليبي أربعة من الصحافيين وأسرهم قامت وزارة الخارجية الأمريكية بدور مهم للإفراج عنهم، بل وإرسال رسالة صارمة أن أمريكا تحمي صحافييها. إلا أن “الإدارة الحالية تراجعت عن دور بلدنا التاريخي كحام للحرية الصحافية، وعندما رأت بقية الدول هذا بدأت باستهداف الصحافيين بحس من لا يخاف الحساب”.

ويعتقد أن المشكلة ليست في قمع الصحافة بل لكل فرد في المجتمع لأن الأنظمة الديكتاتورية تعمل على دفن الفساد بل وتبرير حملات الإبادة. وكما قال السناتور الراحل جون ماكين: “عندما تنظر في التاريخ فأول شيء يفعله الديكتاتوريون هو منع الصحافة”. وكشف سولزبيرغ لأول مرة ما حدث لمراسل الصحيفة في القاهرة وولش قبل عامين؛ فالحكومة الأمريكية كانت تريد التفرج على اعتقاله وعدم التدخل، والمسؤول الذي أخبرها بدون علم إدارته كان يخاف من العقاب. وأشار إلى اعتقال مصر وترحيل الصحافي ديفيد كيرباتريك العام الماضي، وعندما اتصلت الصحيفة بالمسؤولين الأمريكيين في القاهرة للاحتجاج كان ردهم: “ماذا كنت تعتقد أنه سيحدث له؟ لقد أظهرت تقاريره الحكومة المصرية في صورة سيئة”.

فالرئيس الذي لا يهتم هو نفسه أصل المشكلة، فمنذ توليه الحكم استخدم عبارة “أخبار مزيفة” حوالي 600 مرة. وكان هدفه الرئيس الإعلام المستقل الباحث عن الحقيقة.

وفي الوقت الذي تعترف الصحافة هذه بأخطائها وتحاول تصحيحها إلا أن الرئيس عندما يهاجم “الأخبار المزيفة” لا يهتم بالأخطاء بل يحاول نزع الشرعية عن الأخبار الحقيقية، خاصة عندما تكشف الصحافة عن فساده وفضائحه وتعاملاته الشخصية، ويكون رده هو تجاهلها باعتبارها “أخبارا مزيفة”.

ورغم أن التقارير التي اعتبرها كاذبة صحيحة، إلا أن إستراتيجيته نجحت، ففي استطلاع وجد أن نسبة 80% من الجمهوريين يصدقون الرئيس أكثر من الإعلام. واتهم واحد من أتباعه بإرسال متفجرات إلى “سي إن إن” التي يعتبرها ترامب هدفا للأخبار الزائفة.

ولم يقوض ترامب مصداقية الصحافة وبحث مواطنيه عن الحقيقة فقط، بل ساعد أيضا الطغاة في العالم ومنحهم المفردات اللازمة. واستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وفي ميانمار استخدمت اللغة لنفي وجود شعب كامل تم استهدافه بالعنف وإجباره على مغادرة بلده. وقال زعيم في ميانمار للصحيفة: “لا يوجد هناك شعب اسمه الروهينجا” و”هي أخبار مزيفة”. وتم استخدام العبارة لسجن صحافيين في الكاميرون وملاوي وتشاد وبوروندي. وتم استخدامها من قادة دول حليفة مثل المكسيك وإسرائيل، كما استخدمتها دول منافسة وعدوة مثل إيران والصين وروسيا. واستخدمها زعماء ليبراليون مثل رئيس وزراء أيرلندا ليو فاردكار ومن زعماء متطرفين مثل جاير بولسونارو الذي قال ترامب عنه في مؤتمر بروز غاردن بالبيت الأبيض: “أنا فخور باستخدام الرئيس أخبارا مزيفة”. بل وهدد رئيس وزراء كمبوديا مراسلة الصحيفة هانا بيتش بالعواقب إن لم تدعم روايته، واصفا الصحيفة بأنها حصلت على جائزة أخبار مزيفة من ترامب. بل وهدد هان سان الصحافية: “سيتذكر الشعب الكمبودي وجوهكم”.

ورغم حديث الناشر مع الرئيس وأثر كلامه على المواطنين الأمريكيين في الخارج وتعبيره عن قلقه، إلا أنه واصل التصعيد خاصة أنه يخوض حملة إعادة انتخابه. فهو لم يكتف بنزع المصداقية عن الصحافة بل ويقوم بشيطنة الصحافيين ويصفهم بـ”أنهم أعداء الشعب” بل وخونة أيضا.

وعبارة “عدو الشعب” لها تاريخ وحشي، فقد استخدمت في الثورة الفرنسية وفي الرايخ الثالث الألماني واعتمد عليها لينين لإعدام المعارضين له. ويقول إن ما قدمه من أمثله عن تعرض الصحافيين للتحرش والاستهداف هو جزء يسير مما هو معروف “فالصحافة اليوم تعيش لحظة خطيرة ولحرية التعبير ولتنوير الرأي العام. مع أن اللحظات الخطيرة والأصعب للصحافة هي تلك الأماكن التي يجب أن تكون فيها الصحافة موجودة”. وتاريخ أمريكا يعطي صورة عن دور الصحافة الحرة في بناء الإجماع. فقد قال توماس جيفرسون: “الأمن الوحيد لنا جميعا هو حرية الصحافة”.

ويقول إن الرئيس ترامب لن يغير سلوكه من الصحافة بل وربما استخدم كلام سولزبيرغ بأنه عملية انتقامية، و”كي أكون واضحا، أنا لا أتحدى تهور الرئيس بسبب حزبه وأيديولوجيته أو نقده لنيويورك تايمز” و”لكنني أقرع جرس الإنذار لأن كلماته خطيرة ولها تداعيات حقيقية حول العالم”.

وفي حالة تجاهل الرئيس فيجب على الآخرين التقدم وحماية الصحافة وحرية التعبير، من خلال التسلح بالدستور وعدم الوقوع في مصيدة أعداء الصحافة. كما أن المهمة ليست ملقاة فقط على الصحافة نفسها بل وعلى الأعمال والجماعات غير الربحية والأكاديميين وشركات التكنولوجيا مثل فيسبوك وتويتر وغوغل وأبل وكذا القادة السياسيين. ولن تؤدي هذه الجهود لنتيجة “طالما لم ترفع صوتك وتهتم بمصدر الأخبار التي تتلقاها وكيف تصنع”.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات