هل تراجع الاقتصاد أم تغير نمط الأعمال؟


رسل لي صدیق عبر ”واتساب“ مقالة متمیزة لواحد یقول إن الاقتصاد الھندي لا یشھد تراجعا في المؤشرات الاقتصادیة، وإنما یشھد تغییراً في نموذج إدارة الأعمال. وسوف أستفید من ھذا المقال من أجل أن أقول كلاما مشابھا عن الاقتصاد الأردني.

الحكومة تقول على ألسنة بعض وزرائھا أن ھنالك بوادر انفراج في الاقتصاد. وقدموا أدلة رقمیة صحیحة. فالصادرات قد ارتفعت وأرباح الشركات المساھمة العامة زادت وتراجعت خسائر الشركات الخاسرة، والدخل السیاحي نما، وبالمحصلة فقد نما الاقتصاد الأردني حوالي 2 % فقط. وبالمقابل أیضا، ازداد العجز المالي في الموازنة العامة، وارتفعت المدیونیة إلى (29 (ملیار دینار، أو ما یساوي (5.40 (ملیار دولار.

والسؤال ھل ھذا یعكس تراجعا في الاقتصاد؟ وحتى نصل إلى ھذه النتیجة لا بد أن نطرح الأسئلة التالیة: ھل نقص عدد السیارات المتحركة في الشوارع؟ ھل تراجع الطلب على المشتقات النفطیة؟ وھل تراجع حجم الاستھلاك؟ وھل تقاعست المشتریات العقاریة في الأشھر الأولى للعام عن العام الماضي؟ ھل قل اقبال الناس على المطاعم والحلویات والبقالات؟ إذن ما الذي یجري؟

أعتقد أن ما قالھ ابن خلدون عن الضرائب صحیح. فقد أدى تعدیل قانون ضریبة الدخل إلى العزوف عن الدفع أو البحث عن وسائل لتجنب ذلك. فالإقبال على الأكل في المطاعم صار أعلى كلفة وتراجع عدد الأردنیین إلى حد ما، ولكن الأكل في محلات الوجبات السریعة ارتفع، وارتفع حجم التواصي المنزلیة. وأصبح طلب الوجبات من ”أم محمد“ و“أم ربیع“ وغیرھما أكثر من السابق.

عدد النساء العاملات ونسبة البطالة بینھن حسب الأرقام الرسمیة ارتفعت. ولكن عدد النساء العاملات في الاقتصاد غیر الرسمي ارتفع كثیراً، وزادت العمالة النسائیة المنزلیة، وصار لھا منتجاتھا وأسواقھا وعرض وطلب خاص بھا. وكل ذلك بعید عن الضریبة.

وقل الطلب على كثیر من محلات الملابس، وبعضھا كاد یلامس حافة الإفلاس أو أفلس فعلاً. وھناك عروض خاصة وتنزیلات مستمرة بنسب عالیة تشي بالعجز المالي الذي یعاني منھ اصحابھا، ولكن حجم الطلبات بالبرید الإلكتروني والتجارة الإلكترونیة في ارتفاع مستمر.

ولربما صارت شركات الھواتف في الأردن تشكو من تراجع دخلھا من المكالمات وبخاصة الخارجیة والدولیة، ولكن عدد المتصلین عبر حسابات الاتصال المجاني مثل ”واتساب“، وغیره من عشرات الوسائل ارتفع كثیراً، ما یحرم الشركات والحكومة من دخلھا.

الناس یتعاونون كثیراً في إرشاد بعضھم البعض إلى طرق أقل كلفة للحصول على السلع والخدمات، ووسائل الاتصال عبر الھاتف بالمجان، وأسالیب الطلب للسلع والخدمات، وأسالیب شراء تذاكر سفر رخیصة بالطائرات.

والكل صار یتعاون ویتضافر في التفاھم مع الاصدقاء من اجل التھرب من الكلف المرتفعة والضرائب العالیة.

ولذلك، ھناك تغییر كبیر وواضح في أسلوب الاعمال في الأردن. وتجد ھذا في كل القطاعات الصحیة، والتعلیمیة، والسیاحیة، والنقل، واستھلاك الطاقة، وفي شراء السلع كالطعام والملابس، والأثاث، وغیرھا.

الحكومة بالمقابل تتشدد بطرق غیر مقبولة. فالذي علیھ دین للضریبة بألف دینار أو دینار توضع إشارة حجز وعدم تصرف على كل أملاكھ. وسیكتشف الناس طرقاً لذلك. وزیادة الرسوم والضرائب تفتح الباب على مصراعیھ للسعي للھرب منھا. وتقوم الحكومة بتشدید إجراءاتھا وعدم المرونة في التطبیق ما یحفز بیئة الرشوة والفساد.

وكل ھذا یجري ویحول الحكومة من خادم للشعب إلى ضابط صارم على مستوى المسؤولین الكبار، وإلى مرتش على مستوى التنفیذ المیداني، فتتراجع المنافسة والإنتاجیة، ولا یؤدي الانفاق الا إلى خلق فرص عمل معظمھا یذھب لغیر الأردنیین، أو إلى جھات لا تتمكن الحكومة من تحصیل ضرائبھا منھا.

علینا أن نعلم أن سیاسة الانفاق الحكومي والتوسع فیھا وحجم التوظیف غیر المنتج لا یؤدي إلا إلى مزید من العجز ومزید من رغبة الحكومة في التحصیل. وسنصل إن بقینا على ھذا النمط الریعي إلى مرحلة لن نتمكن فیھا من سداد الفواتیر الحكومیة.

أما في السوق النقدي فحدث ولا حرج. فالناس بفضل ضیق السیولة المتاحة لھم، ومعاناتھم من عجوزات في موازنات أعمالھم وبیوتھم، خلقوا لأنفسھم سوقاً اقتراضیة عن طریق عدم التسدید وبدون فوائد. ولذلك ازدادت المدیونیة غیر الرسمیة بشكل كبیر جداً.

طالما أن استیراد خدم المنازل مستمر بشكل متزاید، فنحن نعیش في بحبوحة لا تبررھا امكاناتنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات