من التصحيح إلى التحفيز


اطلعت على تصريحات وزير المالية د. عزالدين كناكرية حول قيام مؤسسة التقويم المالية “ستاندارد أند بورز”، بتثبيت درجة الأهلية للأردن عند (B+) للعام 2019، ولربما للسنوات القادمة.

وشركة ستاندارد آند بورز تصدر رقماً قياسياً لأسعار البورصة لأكبر خمسمائة شركة في الولايات المتحدة (S&P 500)، وتصدر كذلك عبر شركتها الدولية تقييماً للدول. واعلى درجات التصنيف هي AAA ويعني أن الدولة صاحبة هذا التقييم تتمتع بدرجة عالية من القدرة على الاقتراض واستيعابه وسداده. ثم هنالك (AA) ثم (A)، و (A+)، وهنالك (BBB)، و (B) و (B+). وهلم جرا.

وتقييم (B) يعني أن الدولة تتمتع بالقدرة على الاقتراض، ولكنها قد تواجه تحديات كبيرة في المستقبل، أما (B+)، والذي حصلت عليه الأردن، فهو يعني أن الدولة قد تواجه تحديات، ولكن هنالك ثقة بأن هذه الدولة قادرة على تجاوزها في المدى المنظور.

وفي ضوء الأخبار الطيبة التي بينت أن (115) شركة مساهمة عامة من اصل (193) قد حققت أرباحاً خلال عام تفوق في المجموع أرباحها العام 2019 بنسبة (33 %)، وأن (78) شركة حققت خسائر خلال العام 2018 تقل عن خسائرها العام (2017) بنسبة (30 %)، فإن صافي الأرباح المتحققة العام (2018) قد زادت بنسبة (44 %) عن العام (2017). وهذا خبر ينطوي على تحسن في مناخ الأعمال للشركات المساهمة العامة والكبرى في الأردن.

ومن الأخبار الجيدة رغم عدم قبولها شعبياً هو أن الأردن قد أقرّ قانون الضريبة العامة على الدخل والأرباح كما عدّل في نهاية العام (2018). ويدخل هذا في حسابات تقييم (ستاندارد آند بورز) كعنصر إيجابي.

ومن الأسباب الأخرى المحفّزة والمُكلفة بالطبع هو ثبات سعر صرف الدينار الأردني، حتى أن الدينار قد تحسن سعر تبادله بالدولار. ولقد تحقق ذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة الأساسية على الاقتراض، وعندما قام عدد من الناس بسبب الجزع بتحويل جزء من مدخراتهم إلى الدولار، عادوا تحت ضغط الحاجة إلى الدينار بشراء ما يحتاجونه منه بأسعار سبب لهم خسائر. والدينار ليس بحاجة للتأكيد مني أو من غيري بأنه مستقر وثابت.

إن النظر إلى السياسة المالية والسيّاسة النقدية يؤكد من مؤشراتهما أنهما سائرتان نحو الاستقرار. ولأن صندوق النقد الدولي قد استوعب أن معادلته الأصلية التي توصل للاتفاق حولها مع حكومتي د. عبدالله النسور ود. هاني الملقي كانت مبالغة في طموحها ومطالبها، فقد عدل هذا الاتفاق ليقول إن الأردن مطالب بتخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 95 % إلى 90 % العام 2022 بدلاً من تخفيضها إلى 77 % العام 2021.

وهذه سياسة منحت الدائنين للأردن ثقة أكبر. فالأردن بالنسبة لهم يحترم مواثيقه، ويسدد ديونه، ويتبنى السياسات المؤلمة المطلوبة للوفاء بالتزاماته. وهذا أمر جيد ومفيد. فقد ساهم هذا الوضع في إقناع الدول والمنظمات التي حضرت مؤتمر لندن برعاية ملكية سامية وحضور حكومي قوي بالحصول على تعهدات بمقدار (2.5) مليار دولار، ومع أن الجزء الأكبر منه هو ديون سهلة وميسّرة، إلا أن الدائنين مقتنعون بأن الأردن سوف يفي بالسداد وهو في نفس الوقت مستحق لذلك.

هذا النجاح جيد، ولكنه حتى الآن لا يحل مشكلة البطالة والفقر، ولا يقدم حلولاً واضحة لمعالجتهما. ومع أن الحكومات المتتابعة وضعت مخططات لذلك، إلا أن التنفيذ فيها يسير بطيئاً وغير مقنع. ولهذا، فإن التحدي المثالي هو النجاح في الانتقال لمعالجة المشاكل الفعلية المرتبطة بالشعب، بدلاً من تلك التي تتعلق بالحكومة والقطاع النقدي، والدائنين داخل الأردن وخارجه.

هذا هو التقييم الصحيح للحكومة وسياساتها، ولذلك علينا أن نبدأ في رؤية البلدوزرات تحفر وتبني المصانع، وعلينا أن نرى قطاع الخدمات بأبعاده التربوية والصحية والتكنولوجية والترفيهية والثقافية والتاريخية يعج بالمقاولين من الخارج طلباً لها. علينا أن نرى حلولاً عملية لمشكلة قطاع الانشاءات المتجمد، وأن نبدأ في حل مشكلات تقف شواهد على فشلنا في معالجة الاستثمارات القائمة المتعثرة في مختلف مواقع المملكة.

الرحلة من التصحيح إلى إعادة النشاط الاقتصادي الحقيقي هي المقياس الرئيس للنجاح. وأنا واثق أن المناخ صار مناسباً لذلك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات