آفة التعصب الفكري


يُقيّم الإنسان بما يملك من فكر عادل رشيد مفيد منتج لصاحبه وللمتصلين به، ومع هذا التقييم المتفق عليه منطقاً وعرفاً، فإننا نجد عدم احترام خصوصية القيم وملكيتها بين الإنسان وأخيه الإنسان، هناك فرق بين احترام الفكر الآخر، وبين الأسلوب الإتصالي المناسب لمراجعة الأفكار، فالتعصب الفكري يعني النجل الفكري وعدم السماح للآخرين بزيارة عقولنا، وهو ما قد يؤدي عند كثير من الجهلاء إلى فرض الإرهاب الإتصالي في الحوار، أضف الى ذلك عدم احترام الرأي الآخر.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما سأله أحد الشباب أمام الصحابة أن يأذن له بالزنا، وإحداث تغيير في شريعة الله، وهو أمر عظيم لمجرد إرضاء هواه الخاص به الممثل بحب الزنا، وعلى عظم الأمر جوهراً وأسلوباً مع ذلك الشاب، فإن معلم البشرية صلى الله عليه وسلم لم يزجره ولم يعنفه، بل أمره أن يدنو منه، ثم طرح عليه بعض الأسئلة ليحول مجرى تفكيره من الخطأ إلى الصواب، ثم يستخرج القرار الصحيح من عقل السائل، دون استخدام العنف الإرشادي الذي نراه اليوم في كل مكان، لقد دنا الشاب من رسول الله الكريم فجلس فقال: أتحسبه لأمك (أي الزنا) قال: لا والله جعلني الله فداك، قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لإبنتك ولأختك ولعمتك ولخالتك، قال: لا والله جعلني الله فداك، ولا الناس يحبونه ، قال: فوضع الرسول الكريم يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شئ.
نقل الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار إلى ذاتية السائل، إلى دوائر إنسانية متمثلة بالأم والأخت والعمة والخالة، فكان عقله مفتوحاً للنصح وتقبل الرأي الآخر، بعد أن تجرد عن التعصب الفكري، ورأى عقلانية الحوار البناء الهادف، إنه حوار حضاري راق، لم يأخذ من الرسول الكريم لحظات، ولكنه صلى الله عليه وسلم غير فكر الشاب من حب للرذيلة إلى كراهيتها ثم غرس في قلبه حب الفضيلة والقيم النبيلة العليا.
الثوابت لا تعني التعصب الفكري بالإرهاب الإتصالي، وفرض الرأي قهراً على المختلفين معهم، بل تعني التوازن والثبات على المبدأ الحق، مع احترام اختلاف الإدراكات العقلية عند البشر، وتبادل الحب المسؤول معهم، والشفقة على المخطئ لا البطش به وظلمه لمجرد أنه اختلف في الرأي معي، جهلاً أو علماً أو بغير قصد، ولذلك كان لزاماً على المربي في المنزل والمدرسة والجامعة أن يغرس في عقول الناشئة أهمية احترام الرأي الآخر وفكره، وأن يودع في أعماقه أن الإتصال الفكري مع الآخرين فن ومهارة لمن رغب في صناعة علاقة سليمة مع أخيه الإنسان، وفي المحصلة فإن التعصب الفكري ضيق أفق وهوى ذهني يجعل المتعصب لا يرى إلا فكره، ويلغي أي فكر آخر، وحضارتنا الفكرية الرائدة القائمة إلى يوم القيامة هي الضدية الأكيدة للتعصب الفكري، بل هي السماحة العقلية والوجدانية والسلوكية التي تستوعب العالم أجمع بإختلاف فكره واختلاف معطياته واختلاف تنشئته وبيئته، ويجمع العقلاء والمفكرون أن الخروج من دائرة التعصب الفكري الضيق يكون بتعلم العلم النافع ونشره بطرق سليمة، لأن الجهل أكبر عدو يواجه الإنسان في حياته، وأن يؤكد على أهمية الحوار كمهارة إتصالية مع محاولة البحث عن مساحات مشتركة للإتفاق، وأن نستخدم أحدث الوسائل في نشر العلم مع مراعاة مصادر نشر العلم الحالية التي تحيط بالشباب في عصره الحالي، وأن نعمل جاهدين من أجل تكامل المعلومة في عقله من جميع المصادر التي ترسل إليه العلم، ونخطط لكي يكون ارسال المعلومات تكاملياً منسجماً، بحيث ينضج عقل الشباب وهو يتغذى على وجبات صحية من العلم يكمل بعضها بعضاً.









تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات