د . عودة أبو درويش


ربما يكون من قبيل الصدفة أن كثيرا من المدن والقرى والمواقع في مختلف الدول العربيّة تتشابه بالاسم ، فمثلا سلسلة الجبال التي تقع في الجنوب الغربي للمملكة العربيّة السعوديّة تسمّى جبال أو جبل فيفا ، و قرية من قرى الأردن وفي أخفض بقعة في العالم أيضا اسمها غور فيفا . فجبل أو جبال فيفاء تقع شرقي جيزان وتطلّ على الحدود السعوديّة اليمنيّة ، وهذه الجبال تبدو للناظر من بعيد ، وكأنّها جبل واحد بقمم مختلفة ويصل ارتفاعها الى اثني عشر ألف قدم ، وتعدّ من أكثر الأراضي صعوبة في التضاريس اذ أنّها شديدة الانحدار ، والطرق وعرة وخطرة ولكنّ هذه الجبال تسمّى معشوقة الضباب ، لأنّ الضباب ملازم لها في معظم أوقات السنة ، وهي من المناطق السياحيّة في السعودية ، ويأتي اليها الكثير من السعوديين والزائرين للاستجمام والاستمتاع بمناظرها الخلاّبة .

وبلدة غور فيفا تقع في الأغوار الأردنيّة الجنوبيّة بالقرب من البحر الميّت حيث عقدت القمّة العربيّة الأخيرة ، وترى من خلالها حدود فلسطين . ويعيش فيها عدّة آلاف من الناس ، حياة بؤس وفقر وبطالة ، وبدون أدنى أمل في التغيير، وبالرغم من أنّ معالم القرية يمكن أن يراها من يمرّ من الطريق المؤدّي الى العقبة . الّا أنّه وحين يقترب أكثر منها ، يرى أشباه بيوت تشعرك بالبؤس الشديد للكثير ممن يعيش فيها وبدون استثناء . بالرغم من وجود الكثير من المشاريع الكبيرة في منطقة البحر الميّت ، وهي مشاريع انشأت من أجل المساهمة في تنمية المجتمعات المحليّة وتحويل حياة الناس فيها الى حياة يمكن أن تعاش من غير أن يفكّر الشباب بالانحراف ، أو أن يضطر الصغير والكبير فيهم للعمل بأجرة زهيدة في أراضي زراعيّة كانوا هم أو أباءهم يوما ما يملكونها ، فاضطروا الى بيعها لسداد الديون المتراكمة عليهم نتيجة للخسارة المتلاحقة في مهنة الزراعة التي توارثوها ، والتي يتلاعب في أسعار منتجاتها من لا يخاف الله ولا يتّقيه .

أنشأت المملكة العربيّة السعوديّة هيئة تطوير وتعمير منطقة فيفا ، مهمّتها العمل على تنمية المنطقة وتطويرها سياحيا وذلك لأنّها تحتوي على مناظر خلاّبة لجبال شاهقة الارتفاع وفيها مياه معدنيّة يطلبها الناس من أجل الاستشفاء ، ولكن الطرق الموصلة اليها ترابيّة وعرة وشديدة الانحدار والسكّان لا يحصلون على الماء الّا من خلال نقلها على الدواب ، بالإضافة الى تحدّيات الزراعة والاتصالات والكهرباء ، وتطوير عين الماء الحارّة للاستشفاء ، وتجميع الامطار وغيرها . فتعبيد الطرق وايصال الماء الى بيوت المواطنين ودراسة المحاصيل الزراعيّة التي يمكن أن تزرع في المنطقة وربطها بشبكة الاتصالات مع العالم ، تحديّات كبيرة تواجه عمل الهيئة .

الناس في قرية غور فيفا لا يشعرون بجدّية الحكومة في حلّ المشكلات التي تواجههم ، مثل نسبة البطالة المرتفعة والديون الكبيرة على معظم أبناء القرية نتيجة للخسارة المتتالية غير المفهومة بالنسبة لهم بسبب عملهم بالزراعة والتي بسببها أصبحوا مطلوبين للتنفيذ القضائي ، مع أنّهم كانوا يبنون أملهم على القطاع الزراعي في تحسين مستوى معيشتهم ، خصوصا وأنّهم حين ينظرون الى الجانب الغربي ، أي الى جهة فلسطين المحتّلة ، يرون مزارع كبيرة وفلل وقصور ومناظر خلاّبة ، فيلعنون واقعهم ، ويتساءلون عن أسباب غياب التنميّة في منطقتهم التي يمكن أن تكون أيضا مثل الجهة الغربيّة لو تظافرت الجهود بين الحكومة وسكّان القرية والقرى المجاورة .

جبل فيفا وغور فيفا منطقتين من مناطق عالمنا العربي ، نرجو الله أن لا يمر وقت طويل الّا وقد أصبحتا من المناطق التي فيها تنمية حقيقيّة بالرغم من صعوبة تضاريس المنطقة الأولى ، وعدم الاهتمام الحكومي بالمنطقة الثانية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات