أرأيت من اتخذ إلهه هواه


خلق الله الانسان في أحسن تقويم، وأكرمه بنعمة الهداية والعقل والعلم، وعلمه الأسماء كلها، وأسجد له الملائكة، تكريما وتقديرا واحتراما، وسخر له ما في السموات والأرض جميعا منه، وأنزل له القرآن العظيم ليكون منارة هداية وجذب وإصلاح، بعد ان أكرم الباري عز وجل العالمين ببعثة الرسول الكريم عليه السلام، وقد ترك النبي العربي الأمين عليه الصلاة والسلام الأمة على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، هذه أبجديات الإسلام الأولى، يؤمن بها الإنسان السوي فطرة وعقلا، ومن ثم يسعى ليتفاعل بإيجابية السلوك والممارسة، ليرقى الى العلا، وقد نجاه الله من دنس الإلحاد والشرك الظاهر والخفي، فلم يستجب لنداء أصوات شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولم يكن أمعة ضالا، يردد ما لا يفهم، أو يعتقد ما يخالف الشرع والعقل، وانما وطن نفسه ليكون صاحب قرار حكيم صائب، يحصنه من الانحراف الفكري والعقدي والنفسي والخلقي.

نلتقي مع أناس يصنفون من النخب السياسية أو الفكرية أو الثقافية أو الاجتماعية، فإذا اصغيت لحديثهم وجدت العجب، ودهشت من طريقة تفكيرهم وترتيبهم لسلم الأولويات، وموقفهم من هذا الدين العظيم فهما وتفسيرا، فلا يتصور العاقل المنصف ان يطعن هؤلاء بالإسلام، أو يسخرون من العبادات أو ينتقصون من حق العلماء، أو يصل بهم الأمر أن يتطاولوا على القرآن العظيم، ويفضل بعضهم سماع الأغاني بدلا من سماع آيات الله تتلى، بحجة ان زمان القرآن قد ولى، ويقولون كفى بالأمة تخلفا، بل ويجاهرون بهذه الآراء الكفرية بصلافة أمام الآخرين، وقد بلغ بعضهم مرحلة الشيخوخة، ولم تبق إلا أيام من عمره، ومن ثم يلقى بعدها وجه ربه الأعلى، هذا الصنف ممن اتخذ إلهه هواه، وختم الله على قلبه وسمعه وبصره، فلم يعد يبصر النور، بعد ان طمست بصيرته، وأضله الله على علم.

نطالع كتابات مثقفين يصنفون أنفسهم من قادة الأمة ومفكريها، ينظرون لأبناء الأمة، وللأجيال القادمة، بكلام في حقيقته زبد يذهب جفاء، لقد فتن هؤلاء بالغرب أو الشرق فكرا وطريقة حياة، إذا خبرتهم ليس في جعبتهم ما ينفع الناس، وانما وضعوا هدفا امام أعينهم للنيل من الإسلام العظيم تصريحا أو تلميحا، وإلصاق التهم الباطلة بشريعة الخالق، وكأنها خصمهم الأول، وغفلوا ان التشريع الآلهي ينهض بالفرد والجماعة ليكونوا من الخيرة الخيرة، فكرا وأخلاقا وتعاملا واتباعا، أمثال هؤلاء يعانون من هشاشة فكرية ونفسية، زاغت أبصارهم عن الهدى الرباني، لأنهم اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، وصنع الغرور منهم أبطالا، فهم أشباه أفلام الكارتون، التي تنتقص من قدرها وهيبتها الصغار، ولا يلتفت إليها الكبار بأي حال من الأحوال.

نشهد في مسرح حياتنا أناسا أصبحوا في وضع وظيفي مرموق، أو اجتماعي له مكانته، وينتظر اخوانهم من أبناء جلدتهم منهم الحنو والشفقة والرفق والتواضع، والإحسان بالقول والفعل، ولكنهم ويا للأسف يتعالون، ويشمخون بأنوفهم، وينفثون السموم المكبوتة في أعماقهم، ويوسعون الناس ذما وتحقيرا، بل ويشيحون عن دين الله استكبارا وجهلا، وقد غفل هؤلاء عن معاني الاسلام العظيمة، والتي تتحدث عن الرفق وحسن الخلق، دعا اليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ووجه إليها الأمة سلفا وخلفا فقال:«ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء» وقال عليه السلام:«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، هذه الحفنة التي تصر على هذا السلوك، تعامت عن الحق، واتخذت الهوى وحب الذات إلها من دون الله.

انه لا مناص للانسان العاقل من الاعتراف بجملة من الحقائق، حقيقة الإيمان بالله الفطري المركوز في اعماقه، والتي يعبر عنها كل ذرة في كيانه، وصدق الله العظيم: وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم افلا تبصرون وحقيقة الضعف الإنساني الذي نعاني منه جميعا، حتى في أبسط حالات المرض أو الشدة، وحقيقة أن الجسد والعقل أمانة، ولا بد للإنسان الذكي أن يحافظ عليهما من المرض والتلوث الفكري، وأن يتركا لاداء وظيفتهما على الوجه الذي أراده الله لهما، وحقيقة أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب، وحتى يتعافى الإنسان من أمراض الكبر والعجب لا بد له من تربية قرآنية عالية، ليكون محصنا من كل انحراف وأذى، وعلى المرء ان يكون كحامل المسك، لا كنافخ الكير في أقواله وأفعاله، وحسبنا قدوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قائد هذه الأمة، وقد اثنى عليه رب العزة فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات