لم أنت حزين يا أبي


يسألني ولدي ، لم يبدو على محيّاك كلّ هذا الحزن يا أبتي . لم لا أجد على وجهك ابتسامة كنت لمّا أراها تشرق لي الدنيا . لم يا والدي لم يعد من صوت ضحكتك الاّ صدى ، أنا بانتظار عودته من رحلته الطويلة التي لا يبدو أنّ لها نهاية . لم لم تعد تسرد علّي طرفة نضحك أنا وأنت عليها كثيرا ، حتّى لو أنّ الآخرين لم يبتسموا لسماعها . يا والدي في عينيك حزن عميق ونظرات شاردة ، لا تستطيع أن تخفيه عنّي رغم كلّ محاولاتك ، وأنا أعلم أنّك لا تريد لي أن أشعر أنّ في نفسك حزن كامن ، مهما حاولت اخفاءه ، فانّك لن تستطيع . أنا كبرت يا أبي ، وأرغب أن أحمل عنك بعض الهموم ، مع أنّي أعرف أنّك لا تطيق أن يحمل عنك الآخرين همّا مهما صغر . ولكنّي فلذة كبدك ، ومن سيعينك ان مضى بك قطار العمر ، غير الذي أوصاه الرحمن بوالديه احسانا .

يا بني ، كيف لي أن أفرح وأنا أرى وأسمع واعيش ، كلّ هذا الدمار الهائل في كلّ شيء ، وهذا التدمير الكبير لكل شيء . دمار في مدن كانت عامرة بالسكّان ، يعيشون ويحبّون ويتزوجون وينجبون ، يبنون بيوتا ، ويعمّرون مدارس ومساجد . ثمّ يتغيّر الزمن ، فيقتتلون ، وتدّمر على رؤوسهم بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم . ويصبحوا لاجئين في دول كانت سببا في دمارها . وكيف يا بني أستطيع أن أفرح , وأنا أرى التدمير للقيم الانسانية التي نادت بها كلّ الديانات السماويّة والأعراف ، والانحطاط في التفكير عند كلّ الجماعات التي لا تلتقي الاّ على جواز قتل الانسان لأخيه الانسان بدون سبب . والقذارة في تفسير شعوب ودول الغرب ، عن تخريب حضارة الشرق ، بأنّها الخطوة الاولى نحو حضارة جديدة تكون تابعة للغرب ، في دول ممزقة وهشّة وضعيفة .

يا ولدي ، كيف لي أن لا أحزن ، وأنا لا أستطيع أن أحتفظ بالمبلغ المتبقّي من الراتب الشهري ، الاّ لايّام معدودة ، بعد أن يخصم البنك القسط الشهري من القرض المالي ، الذي أغرانا به طمعنا وأعلانات الصحف التي تجمّل كلّ شيء قميء .

وأقنعتنا بأننا سنستطيع بحصولنا على هذا القرض حلّ كلّ مشاكلنا ، ولا ندري أنّ المشاكل تبدأ بعد استلامنا له ، لا بارك الله فيه . وكيف أبتسم وكلّ صباح تطالعني أخبار عن أنّ مديونيّة الوطن أصبحت تعادل دخله الاجمالي ، وأنّ حصّتي من دين لا دخل لي فيه ، تفوق قدرتي على التحمّل ، وأنّ عليّ مثلما على باقي المواطنين أمثالي أن يتحمّلوا ، من أجل أن يعيش غيرنا في رغد وهناء . وهل أستطيع أن أفرح عندما أسمع أنّ كلّ شيء سيرتفع سعره ، وأنّ الراتب المهتريء سيبقى على حاله . ومع أنّي لا أتذمر من مصروفك اليومي، مع أنّه قليل ، ومن أقساط الجامعة لأخوتك ، ومن أثمان الكتب وغيرها ، وهذا واجب عليّ .

ولكنّي أتعجّب كيف يستطيع الكثيرين أن يرسلوا أولادهم للدراسة في دول الغرب مع أنّ رسومها مرتفعة ، ليذهب تعجّبي عندما أعلم أنّهم يبتعثون الى هناك على حساب الوطن ، أي على حسابي وحساب غيري من الناس العاديين الصابرين .

لا أريد أن أثقل عليك بهمومي الكثيرة يا ولدي ، ولكنّي أعدك يا بني أنّي سأحاول أن أبتسم ، ,وان تراني فرحا مبتهجا ، وكلّي رجاء أن لا أراك متجهما حزينا عندما تكبر ويصبح لديك عائلة وأولاد ، وأن يكون وطنك سببا في ابتسامتك بعد أن كان سببا في حزني .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات