رعاية الطفولة في ظل الإسلام


لم يحدثنا التاريخ الحضاري للإنسانية عبر أدواره وحقبه المتعاقبة أن طفلاً كان أسعد من الطفل المسلم في ظل الحضارة الإسلامية ،تلك الحضارة التي جعلت من أولى أولوياتها رعاية الإنسان في مراحل عمره المختلفة ،وبشكل خاص في طفولته ،إدراكاً منها لخطورة هذه المرحلة في تشكيل مستقبل الأمة ،فالإزدهار الحضاري ورسم معالم الغد المشرق يبدأ من تربية ورعاية الطفولة ،وتنمية قدراتها ،واستثمار طاقاتها ،وفق خطة محددة المعالم ،يشارك فيها الأفراد ،والجماعات ،والمؤسسات في ظل تنافس شريف ،هدفه الأسمى توفير بيئة مناسبة يترعرع فيها الأطفال ،بعيداً عن الكبت والإحباط والضغوط النفسية ،والممارسات غير السوية ،حتى يتسلموا دفة القيادة الحضارية الرائدة للأمة ،ويواصلوا دفع مسيرتها بإبداعاتهم وحيويتهم المتدفقة .

لقد أشرقت الحضارة الإسلامية بأنوارها بعد ليل طويل حالك الظلمة ،كان الأطفال فيه سلعة رخيصة ،مهدورة الكرامة ،مسلوبة الحقوق ،في ظل قيم وعادات وتشريعات وقوانين ظالمة ،منحت الأب أو الأخ الكبير حق التصرف بأطفال الأسرة بالبيع أو الهبة لأحد المعابد ،أو تقديمهم كرهائن للأعداء ،كما هو الحال عند الآشوريين والبابليين والرومان ،أو دفنهم أحياء خوفاً من العار أو الفقر كما هو الحال عند بعض القبائل العربية ،أو قدفهم في الأنهار من أجل ارضاء الرب ليجود عليهم النهر بفيضانه ليتمكنوا من ري زوروعهم ، أو استعبادهم وتشغيلهم في الأعمال الشاقة لتوفير الراحة للسادة ،فضلاً من عادة التخلص من الأطفال الضعفاء والمرضى عن طريق القائهم من فوق رؤوس الجبال ،كما هو الحال في اسبارطة ،أما في مصر القديمة فمن أشهر القرارات الظالمة ذلك القرار الذي اصدره فرعون موسى بقتل كل مولود يولد في مصر ،وذلك تحت تأثير نبوءات الكهان الذين أخبروه بأن حياته سوف تنتهي على يد مولود سيولد من بني اسرائيل .

وفي الوقت الحاضر رغم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصدور ميثاق حقوق الطفل الذي أعلنته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في قرارها رقم 1386، في العشرين من تشرين الثاني لعام 1959م ،كما صدر قرار هذه الجمعية في21\12\1976م ،بإعتباره عاماً دولياً للطفل ،وفي جلسة الجمعية رقم 61 عام 1989م اعتمدت الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل ،إلى جانب جهود العشرات من المؤسسات والمنظمات المدنية والحكومية في حركة التنوير بحقوق الطفل ،إلا أنه رغم كل هذه الجهود هناك ما لا يقل عن 650 مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر العالمي ،ناهيك عن مئات الملايين من الأطفال الذين يتعرضون للإغتصاب ،وقد عرضت اليونيسيف تقريراً مفاده أن الحروب أدت إلى مقتل أكثر من مليوني طفل في العقد الماضي ،إلى جانب وفاة 10%من حالات الولادة في العراق نتيجة الفقر وصعوبة الوصول إلى مياه نقية ،إلى جانب القتل اليومي المنظم لأطفال فلسطين على يد الصهاينة المعتدين .

في ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم الظلم والإستبداد ،نجد التشريع الإسلامي الخالد يقدم أسمى وأنبل المبادئ التي تحفظ للإنسان كرامته وحقوقه ،منذ أن كان نطفة إلى أن يبلغ أرذل العمر ،وذلك قبل حضارة النظام العالمي الجديد ،وقبل صدور مواثيق حقوق الإنسان والطفل بأربعة عشر قرناً ،جاء هذا الدستور الآلهي العظيم ليعلن أن الإنسان هو أكرم مخلوق على وجه الأرض ،" ولقد كرمنا بني آدم "،فضلاً عن اعتبار الأطفال أغلى وأثمن هدية يهبها الله للإنسان ،"يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ".

إن المتأمل للتوجيهات الواردة في هذا الدستور الرباني المعجز المتعلقة بالطفولة ،يجدها تتصف بالشمولية الممتزجة بمراعاة الحاجات المادية والروحية للطفل ،مع تحديد واضح للمسؤوليات الدينية والدنيوية المرتبطة بها ،وقد كشفت النصوص الشرعية عن عمق اهتمام هذا الدستور بالطفل سواء كان سوياً أم معاقاً ،يعيش في أحضان أسرته ،أو كان يتيماً أو لطيماً فقد حنان الأبوين معاً ، أو كان لقيطاً لا نعرف له أباً أو أماً ،وأن ضمانات حقوق هذا الطفل تنوعت بتنوع حالته ، وبحسب تدرج نموه الجسمي والعقلي والإجتماعي والنفسي ،لا بل تعدى الأمر أبعد من ذلك حين جاءت بعض مقررات هذا الدستور الآلهي ذات صبغة وقائية حتى قبل حدوث الحمل أو أثناء حدوث الحمل ،لذا ليس مستغرباً أن تعتبر هيئة الأمم المتحدة نظام الطفولة في الإسلام نظاماً مثالياً لرعاية الطفولة ،خاصة المحرومة منها ،وأفردت البند العشرين من بنودها الذي أكد أهمية تطبيق نظام الكفالة في الشريعة الإسلامية .

وإنطلاقاً من الإيمان الراسخ بأن المستقبل الحضاري لأي أمة من الأمم مرهون بما تقدمه هذه الأمة أو تلك لأطفالها من رعاية شمولية ترتكز على فلسفة أخلاقية سامية ،وقد تمكن الإسلام عن طريق برامجه الناضجة ومثله السامية من تقديم النموذج الأصيل للعالم من خلال الممارسات العملية التي أخذت بأيدي الأطفال الذي حملوا قناديل العلم والحب والسلام إلى كافة أرجاء المعمورة ،عندما تكامل نموهم وصقلت شخصياتهم في ظل رعاية شمولية وازنت بين حاجات الجسد والروح ،ما أجدرنا في ظل هذا الدين العظيم أن نعود إلى المنابع الصافية النظيفة من جديد نتلمس المفقود الضائع من حقوق الطفل في حياتنا وحياته الذي نال التكريم والرعاية والرحمة والإنسانية عندما تكاملت النظرة والمرجعية إلى بناء الأمة التي نالت الخيرية والتكريم من رب العزة عزوجل .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات