تعقيبا على زيارة السفيرة الأمريكية السرية لوزارة الأوقاف الاردنية


لم يبق شيء لم تضع القوى الاستعمارية يدها عليه - وهذا لا يعني أنني من المنجرفين خلف نظرية المؤامرة - ابتداءا من الأرض وثرواتها الظاهرة والباطنة وتدمير الحضارات وقتل الملايين في سبيل استغلال الثروات الباطنية بل وسرقتها من شاكلة النفط في الكويت والعراق وليبيا أو المعادن النفيسة في دول افريقيا الوسطى وغيرها .. مرورا باحتلال الانسان وبيعه في أسواق الرق والنخاسة , والتاريخ الحديث يظهر بشاعة ما مارسه الاستعمار في مضمار تجارة الرقيق وسيطرته على مافيا تجارة الأعضاء البشرية في أيامنا الراهنة .


و تطاولت القوى الإستعمارية وتجرأت على احتلال العقول والسيطرة على الفكر , من خلال وسائل الاعلام المأجور ووسائل التواصل الإجتماعي وأساليب الحرب النفسية وحرب الإشاعة , فيسطرت من خلالها على عقول ملايين الشباب القابعين أصلا في دول مُستعمرة أو شبه مَستعمرة في الأساس .


وكما أستخدمت القوى الإمبريالية الدين في العصور الوسطى في أوربا لإخضاع الشعوب تحت ظل السلطة الكنسية الخاضعة في المحصلة لأنظة الحكم خدمة للإمبريالية والرأسمالية والسلطة , تم نقل التجربة الأوروبية المظلمة وإسقاطها وتطبيقها على المسلمين لإحداث هوة فكرية في عقول الغالبية وتحويلهم لميليشيات مجندة , وكيانات موظفة لمقارعة من يعادي الإمبريالية والقوى الإستعمارية , لتسهيل مهمة الإستعمار وتوفير نفقات حروبه التقليدية , ورفع مستوى أرباحه الملطخة بدماء الأبرياء والمسحوقين ..


بدأ الإستعمار باستغلال الثغرات الدينية والتعاليم الفضفاضة تحديدا , لتجييش مجموعات لديها الميول الكافية لتقاتل تحت المظلة الجهادية " دونما وعي " تقارع القوى المنافسة للغرب في أفغانستان , لتمسي أفغانستان المزدهرة دولةً فاشلة في الواقع , ينعدم فيها الأمن وسبل الحياة الكريمة , وتحولت لتصبح قاعدة عسكرية أمريكية مسلوبة الثروات , ومصدر وفير لإنتاج المخدرات , وممر تسيطر من خلاله الأجهزة الأمريكية على تجارة المخدرات في العالم - وفق ما تم فضحه في وثائق ويكيليكس وبانامنا وغيرها - كما أن لها فيها مئآرب أخرى .


وعادت القوى الإستعمارية التي تعمل وفق نظام المحاصصة وبدعم الأذناب والتابعين , لبث ذات السموم المشوِهة للدين لانتاج ميليشات حديثة وزرعها في العراق للسيطرة على تجارة النفط في الشمال والوسط العراقي - أنصح بقراءة كتاب " مذكرات السيد همفر " الذي يتحدث بصراحة عن دور وزارة المستعمرات البريطانية في إنتاج الفكر الوهابي - , وتهديد الأمن وتحويل الدولة العراقية لدولة فاشلة تصعب عليها السيطرة على عمليات النهب والسرقة التي تهدد مقدرات الأرض العراقية , وفي سوريا أيضا تم إنتاج مئات الميليشيات من خلال ذات الخطاب الديني المشوه وإنتاج ثورة مشوهة مدعومة غربيا , لتمكين القوى الاستعمارية وداعميها من تمزيق الأرض السورية وسلب ثرواتها وتوسيع القاعدة الإمبريالية لمواجهة المد الشرقي الذي يهدد المصالح والأطماع الغربية في المنطقة .


الحلف الإستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة , يدعم الإرهاب من جهة ويعمل لمكافحته في الوجه الظاهر للعلن , يسير اليوم بوقاحة منقطعة النظير ليدعو نحو تعديل الخطاب الديني وضبطه وفقا لما تقتضيه مصالحه , كيف يمكن لجهة تدعم التطرف والارهاب في بقاع متعددة من هذه البسيطة أن تسعى بذات الوقت لضبط الخطاب الديني في بقاع أخرى لولا أن مصالحها تقتضي ذلك , وهذا يثبت قذارة القوى الإستعمارية في فن التلاعب وسيطرته التامة حتى على الدين في عصرنا الحديث .


لذا وجب على من تبقى من حكماء هذه الأمة وعقلائها لتوحيد الجهود في إطار اعادة السيطرة على جموح الخطاب التحريضي والفتن الطائفية , والوقوف في وجه أي جهة تحاول استثمار الدين في سبيل الأستغلال والجشع , وتحديدا حركات الإسلام السياسي التي تعمل في خدمة الإستعمار والقوى الإمبريالية .. لعلنا ندرك إصلاح ما فات أو على الأقل المحافظة على ما بقي من مقدرات هذه الأمة من إنسان وأرض وكرامة ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات