ليست الاستثمارات وحدها


بلا ضمير , و بلا أخلاق , و بلا رؤية , كل من يحاول تصوير أزمة الأردن الإقتصادية على أنها تكمن في الكذبة الكبرى التي مورست علينا منذ عشرات السنوات التي مفادها أن الأردن محدود الموارد , أو أن الأزمة ممكن أن تحل بتحسين " بيئة " الإستثمار فحسب , دون ان تكون الأولوية المطلقة , و العاجلة هي إستعادة الموارد , و المؤسسات العامة , التي سطت عليها اسماء لا تمت للأردن بصلة , و لا تعتبره أكثر من مجرد فندق , او مشروع إستثماري فحسب , بغض النظر عن اصولها الإجتماعية .

بالأساس كيف يطمئن اي مستمثر في العالم لأجواء الاردن الاقتصادية و الامنية و هو يعلم مسبقا ان " الدولة " فرطت في مؤسساتها التي إستادنت عشرات المليارات لأجلها؟ و كيف يطمئن لإصحاب النفوذ إذا هم صاروا شركاء في اي مشروع, دون ان يتكلفوا فلسا واحدا, مستفيدين فقط من نفوذهم ؟! و كيف يأتينا مستثمر نأمل منه تشغيل بضع عشرات من شبابنا و فتياتنا , طالما ان أجواء النزاهة العامة ملبدة بغيوم فساد رسمي ؟!

صحيح ان جلب الإستثمارات ينعش إقتصادنا الذي يمكث في غرف الإنعاش منذ بضع سنوات , لكن ذلك ليس بديلا عن حملة إستعادة مقدرات الدولة التي بيعت بأبخس الأثمان دونما وجه حق . إذا كانت الدولة تؤمن حقا ان مواردها محدودة فكيف ترتكب حماقة بيعها و التفريط بها بدلا من العمل على إدامتها و تطويرها ؟!

لك ان تتخيل فاجعة خصصت شركة الفوسفات بمبلغ 88 مليون دينار فقط , فيما ذات الشركة حققت ارباحا مقدارها 238 مليون دينار بعد العام الأول فقط لبيعها ! ناهيك عن حقيقة ان كميات الفوسفات المقدرة في الاردن تبلغ نحو 1459 مليون طن تقدر قيمتها بمئات مليارات الدولارات و اصبحت جميعها ملكا للشركة التي كانت اردنيه !

نضيف للفوسفات ارباح شركة الاسمنت و الاتصالات و البوتاس و الكهرباء و غيرها التي تحقق ارباحا خيالية , و تحقق عائدات ضخمة لأشخاص محددين , لا لصالح شعب ادخلته حكوماته بسجلات " "غينيس للارقام القياسية , لكثرة الضرائب و الرسوم التي يدفعها .

ثم اي استثمارات هذه الذي قد تأتينا – ايا كانت القوانين التي تفتح الابواب لها – ما دام الاداء العام لادارة الدولة ملوثا بفاسدين من مختلف الفئات و لا تستطيع الجهات االمنية مجرد دحضهم بمجرد كشرة ! , منهم من يريد حصته الدائمة في الإستثمار , و منهم من ينفر المستثمر بالتعقيدات الادارية و الاجراءات الشكلية و خشونة التعامل !

الحديث عن جذب الإسثمارات بات يشغل حيزا واسعا في النقاشات العامة حينما يتعلق الامر بالأزمة الاقتصادية الخانقة , و بات الأمر و كأنه " استثمار في الاستثمار " كوسيلة للتضليل , و حرف سياقات النقاش عن إجراءات اخرى تفلت جهات رسمية في اتخاذها , و لن يكون سواها مخرجا لويلات تنتظرنا .

الإستثمارات لا تأتي لأي بلد في العالم بمجرد قوانين , قبل ذلك لدينا مهمات أساسية لإنجاح تلك العملية , الاولى ان يبقى – دائما - في أذهان الجهات المختصة ان النزاهة و امن المجتمع هما الجاذب الاول لاي مشروع , و ثانيا ان الهدف من تعزيز فرص الإستثمار في بلدنا غايته تطوير اقتصاد البلد و خلق فرص عمل محترمة و مجزية للاردنيين انفسهم , لا أن يتم خلق فرص عمل لسواهم , او ان يتغول صاحب المشروع عليهم , و ثالثا ان تلك الفرص الاستثمارية يجب ان تنسجم مع طبيعة المجتمع و ثقافته و ان لا تكون مخرجاتها وبالا عليه , و رابعا ان الاستثمار يجب الا يتعارض مع أمن الدولة و مصيرها , فنحن بالاخر لا نريد ان نخسر بلدا لنكسب شركة ! و لا ان نتخلى عن المواطنه لنصبح موظفين فحسب ! .

جلب الإسثمارت مصلحة وطنية حتما , لكن قبل ذلك – او بموازاته على الاقل - لدينا مؤهلات اقتصادية متنوعة من الواجب إستعادتها , و العمل على تطويرها فهي متنوعة , و تفتح مجالات واسعة للعمل في قطاعات التعدين و النقل و السياحة و الطاقة . من دون ورشة حقيقة هدفها استعادة الثقة بالاداراة العليا , و من دون حزم حقيقي يضبط , و يطور عمل المؤسسات العامة , فإن شكوكا ستبقى تراود اي مستثمر يريد فتح دكان , لا مصنعا قد يكلفه مئات الملايين ! .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات