مطارد بريء


ابتسم ابتسامته المعهودة , وهو يلقي التحيّة على عمّه المسن الذي كان يجلس متكئا إلى الجدار , سلّم عليه وجلس , ساد صمت لبرهة , ثم بادره عمّه بسؤال , لم لا تسلّم نفسك للشرطة , ألا تريد أن تنهي هذه الحال التي أوصلت نفسك اليها ووضعت عائلتك بها , الحكومة لن تمسك بسوء , أنت مطلوب لهم , وان عاجلا أو آجلا سيتمكنون منك , ويأخذوك إلى السجن , ولن تستطيع أن تدافع عن نفسك , لأنك هربت منهم , وألصقت التهمة بنفسك , أنا وكثيرين يعرفون انّك بريء , وانك لم تقم بالعمل الذي ينسبونه إليك .

سلّم نفسك وانهي الموضوع , أرجوك . أتعلم أنّ هذا الحي كان فيه من القصص المشابهة لقصّتك الكثير , ولكن لم يكن أبطال هذه القصص بمثل تهربّك من الواقع , وواجهوا من اتهمهم بدون خوف , وأثبتوا أنّهم بريئين مما ينسب اليهم .

يا عم , قال وهو يعدل من جلسته ويفرك يديه , تعال نمثّل أنا وأنت القاضي والمتهم , ها أنا أقف أمامك , وسأسرد عليك حجّتي , واحكم أنت بما تراه مناسبا, أتظن أنّي أحبّ حياة التشرّد , وأن أكون مطلوبا للدولة دائما , انّي أسألك أيّها القاضي , أين كانت الحكومة عندما لم أجد أنا وأخوتي قوت يومنا , وأين كان من يسمّون أنفسهم مسئولين , لمّا كنّا ننام من غير أن نعرف ان كنّا سنجد ما نأكله في اليوم التالي , كيف تريد منّي أن أتحمّل عيشا كريها , وأنا الذي لم يعتد أن يمدّ يده للناس , ولا أن يستجدي حسنة من حكومة ولا من غيرها .

أنا لست من الذين يسمّون أنفسهم أبناء الوطن المخلصين , ولكنّي لم أفعل شيئا يضرّ بمصلحة هذا الوطن , وهم من أتوا ليتهمّوني بأشياء ما حصلت , ولم أقم بها , وكلّ ما يكتبونه في محاضر تحقيقيه لم أكن حاضرا عليها , كذب وتجنّي , وكلّ من أمسكت به الحكومة بجرم يدسّ اسمي بين من ساعدوه في جرمه , مع أنّي لا أعرف أحدا منهم , وأنا دائم التساؤل , أأنا الوحيد في هذا الكون الذي يريد أن يحيى حياة فيها شيء من الكرامة , ستقول كلّ الناس يريدون ذلك , ولكن كبار الناس الذين سرقوا مال الوطن وهربوا لهم من يحميهم ويدافع عنهم , وأنا لم أسرق في حياتي أبدا , ولم أكن خائنا لوطن أو لقيادة , كيف يتهمونني بذلك وأنا بريء , لن أسلّم نفسي حتّى ولو متّ دون ذلك , لأنّهم لن يخرجوني من السجن أبداْ .

أجاب العم القاضي , وهو يفرك لحيته , السارق يا بني من سرق قروش قليلة وعادة ما يكون من عامّة الناس , أمّا ان فعلها أحد كبار الناس , وسرق الملايين من مال الوطن , وغادره هاربا أو وجد من يساعده على الهرب , فيسمّونه رجل أعمال , ويتذرّعون بأنّه لم يقصد أن يسرق فلسا , فالتجارة ربح وخسارة , وسيعيد ما أخذه بعد أن تتم تسوية القضية معه , ويدافع عنه كلّ الذين كانوا يوما ما مستفيدين منه ومن سلطته , أمّا أنت فمن المستفيد منك أو من وجودك في هذه الدنيا , مطارد وستبقى مطارد , ولن ينفعك أنّك تحب وطنك على كلّ حال , والذين يزجّون باسمك في اعمالهم المشينة يعلمون أنّك ستبقى خارج السجن , انت متّهم ومدان ما دمت هاربا , سلّم نفسك ودافع عن براءتك .

عاد العم واتكّأ ونادى على زوجته بصوت عالٍ , سخّني لنا ما تبقّى من الشاي , ثمّ حوقل وقال , اللهم أصلح الحال .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات