أوراق بنما تفضح القادة اللصوص


أربعة عقود من التهرب الضريبي وغسل الأموال وتمويل الارهاب تشمل ما يقارب 8 ترليون دولار ويتورط فيها قادة دول لصوص من روبرت موغابي مرورا بمعمر القذافي وبشار الأسد وبوتين ومشاهير من عالم الرياضة وحتى اعضاء من لجنة النزاهة التابعة لفيفا؟ ما يزيد عن 11 مليون وثيقة في أكبر عملية تسريب او اختراق لقلعة موساك فونسيكا الحصينة. ووصفت بأنها خصوصية مضادة للرصاص اي مستحيلة الاختراق. هذا هو التسريب الأضخم الذي شهده العالم بعد تسريبات ويكيليكس قبل 6 اعوام. كان متوقعا ان يأتي النفي من موسكو والتنصل والتهرب من حكام اوكرانيا وآزربيجان وغيرها وهذا رد فعل طبيعي من كل متورط بسرقة اموال الشعوب. النفي الروسي يذكرنا بأيام الحرب الباردة عندما كان طغاة العالم الثالث يضعون اللوم لكل صغيرة وكبيرة على الاستعمار. ويفعلون ذلك الآن ويسمونها بالمؤامرة الغربية علما ان الغرب ذاته كشف الفضيحة.

ومن المتورطين بامتياز حتى العنق الرئيس السوري، بشار الأسد، حيث تناولت التقارير سرقة ثروات البلاد وأشارت التقارير إلى حافظ مخلوف، ابن خال الأسد، الذي يسيطر على استثماراتٍ في قطاعات البترول والاتصالات وغيرها من الاحتكارات.

وقالت الوثائق إن العميد مخلوف وشقيقه الملياردير رامي مخلوف سيطرا على الاقتصاد عن طريق امتلاك شركاتٍ متنوّعة الأنشطة منذ العام ١٩٩٨، في مجال الاتصالات مع مستثمرين أردنيين. وفي العام ٢٠٠٠، شارك مخلوف في تأسيس شركة “سوريا للاتصالات” لخدمات التلفون المحمول، حيث حصل على نسبة ١٠٪ منها في سوريا ونسبة ٦٣٪ منها لشركته في جزر فارجينيا البريطانية وأجرى باسمها عدّة معاملات في فيينا وفي بنك .HSBC

والسؤال هل ستطيح الفضيحة برؤساء دول؟ من غير المتوقع ان يستقيل اي رئيس عربي او افريقي ولكن رئيس الوزراء الأيسلندي، سيغموندور ديفيد غونلاوجسون، قدم استقالته وتنحى تحت وطأة الاهتمام الاعلامي.

مرحلة التأسيس
أسس المحاميان الألماني يرغين موساك والبنمي رامون فونسيكا شراكة محاماة صغيرة عام 1986 اثناء حكم الدكتاتور العسكري مانويل نورييغا الذي حكم بنما في الفترة 1983 - 1989. وخلال العقود التي تبعت التأسيس نمت الشراكة وكبرت حتى وصل عدد الموظفين الى 500 مع فروع وشراكات في مختلف انحاء العالم وقائمة عملاء (زبائن) من الشخصيات الثرية والمشهورة والمافيوزية والمجرمين.

وفي اوائل هذا العام يناير 2016 واثناء التحقيق في الفساد المتفشي في البرازيل اتهم المدعي العام البرازيلي شراكة موساك وفونسيكا بغسل وتببيض اموال ضخمة. وجنت الشركة اموالا طائلة من الأرباح مما ساعد السيد فونسيكا أن يصبح رجلا نافذا وهاما وخدم كمستشار للرئيس البنمي خوان كارلوس فاريلا رودريغز ولكنه استقال هذا المنصب بعد فضيحة الفساد البرازيلية. وفي مقابلة مع الاعلام قال فونسيكا ان دخوله لعالم السياسة كان لخدمة الوطن وقال انا "أؤمن بتقاسم فطيرة البيتزا مع الآخر" وأعطي حصة لغيري.

خصوصية غير قابلة للاختراق:

وحسب تقرير في نيويورك تايمز الخميس 7 ابريل الحالي تم تأسيس شراكة موساك فونسيكا على قاعدة الخصوصية المستحيل اختراقها. ولكن قاعدة الخصوصية والسرية المضادة للرصاص تم تعريتها وكشفها على الملأ وساعدت ملايين الوثائق من فضح دور الشركات الوهمية والملاذات الآمنة للتهرب من الضرائب واخفاء اموال سرقها زعماء العالم من بوتين وبشار الأسد وغيرهم. كما أن فضيحة كشف التفاصيل الخصوصية جدا لعب دورا مركزيا في تسلّيط الضؤ على قطاعات المال والقانون والضرائب في بنما في الوقت الذي تحاول فيها حكومة بنما التخلص من سمعتها السيئة كمخزن للأموال المنهوبة وعوائد الجرائم والمخدرات والهاربين من الضرائب. وتعهد رئيس بنما بالتعاون مع اي تحقيقات جنائية نابعة من الفضيحة وستشمل التحقيقات مستشاره الخاص رامون فونسيكا.

وفي الوقت ذاته نفت شراكة موساك فونسيكا انها ارتكبت اي مخالفة والسيد فونسيكا قال انه بريء. وأضاف بكلام يليق بشاعر رومانسي لمنصة خدمة واتس آب:

وعندما تهدأ العاصفة ستكون السماء زرقاء مجددا وسيجد الناس ان الجريمة الوحيدة التي ارتكبت هي "الاختراق من قبل الهاكرز" واستهجن الكثيرون في بنما هذا الكلام. وفي حديث مع مسؤولين حكوميين عبر فونسيكا عن رغبته في خدمة الوطن وتصحيح سجل بنما في مجال حقوق الانسان.
يتحدث عن حقوق انسان بينما يقدم خدمات جليلة لأكبر منتهكي حقوق الانسان مثل معمر القذافي وبشار الأسد وروبرت موغابي وبوتين.

ومن ضمن الوثائق السرية والتي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تتعلق بتبادل رسائل اليكتروينة (ايميلات) بين كبار الشركاء في موساك وفونسيكا مع عملاء في ايران على فترة طويلة من الزمن وتشمل اسماء اشخاص مدرجة في قائمة العقوبات الأميركية والأمم المتحدة المفروضة على ايران. ووضع السيد موساك اللوم على موظفين في فرع الشركة في لندن لتقاعسهم.
وتحركت قطاعات المصارف والخدمات القانونية في بنما والتي هي من اهم اركان الاقتصاد البنمي لاتهام فاضحي الوثائق انها هجوم صارخ على سمعة البلد (بنما).
حتى الولايات المتحدة تعترف ان بنما تلعب دور رمادي مشكوك بسبب دورها كمركز تجاري دولي وملاذ للتخطيط الضريبي. وللتبرير قالت صحيفة بنمية "لا برينسا" ان لكل شركات المحاماة البنمية قسم يتعامل مع التخطيط المالي والحفاظ على اموال الاثرياء.

ولكن الحقيقة ان موساك فونسيكا هي واحدة من مئات الشركات حول العالم الناشطة في صناعة فتح ملاجيء آمنة لترليونات الدولارات والتي تحرم الشعوب الفقيرة من ما يعادل 200 مليار دولار من الضرائب كل عام حسب تقديرات خبراء.

ويعيش موساك في حي راقي جدا في بنما وله عقارات للراحة والاستجمام في عطل نهاية الاسبوع وحتى ان اولاده يستعيرون طائرة الشركة للتنزه مع اصدقاءهم.
من هما موساك وفونسيكا؟

موساك: خلفية نازية وانضباط

فونسيكا: يحب ان يكون كاتب روايات وقصص

ولد موساك في المانيا عام 1948 وخلال الحرب العالمية الثانية كان والده عضوا في الوحدة الوقائية SS التابعة للحزب النازي الألماني حسب سجلات المخابرات العسكرية الأميركية.
اصدقاء السيد موساك وصفوه بأنه رجل منضبط ويركز على شغله وحتى اللحظة رفض موساك التعليق على فضيحة الوثائق.

أما السيد فونسيكا فهو رجل يحب الاختلاط الاجتماعي والحفلات. ولد في بنما عام 1952 ودرس في جامعة لندن للدراسات الاقتصادية المعروفة باسم "لندن سكول اوف يكونوميكس" وعمل في مكاتب الأمم المتحدة في جنيفا وقال مرة في أحد مقابلاته انه "يحاول انقاذ العالم". وكان يفكر ان يتخصص في كتابة القصص. وفي التسعينات حقق حلمه واصبح قصصي مشهور في بنما. ولكن طموحه الأكبر كان السياسة وفي بداية القرن الواحد والعشرين اصبح مستشارا للسيد فاريلا والذي اصبح رئيسا لبنما 2014.

رغم ان الشراكة تتدعي انها تعمل حسب القانون الا انها على استعداد في الدخول في معلاملات تبييض الأموال والتهرب من الضرائب وحتى تمويل الارهاب. وتعرضت بنما لانتقادات اميركية مما دعا السلطات في عام 2014 أن تباشر بسن تشريعات لتنظيف سمعتها ورغم ذلك لم تتبنى بنما مبادارات الشفافية التي بدأتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعروفة باسم OECD عام 2009. بينما وافقت جزر العذراء وجزر الكيمان وسنغافورة على الالتزام بمباديء الشفافية الا ان بنما امتنعت عن اعتناق هذه المباديء. ويصر السيد فونسيكا ان شركته تتفحص وتدقق العملاء.

ورغم كل هذه الادعاءات بالبراءة ولوم الآخرين الا ان المحققين في البرازيل وجدوا ان موساك فونسيكا متورطة في الفساد ورشوة السياسيين من قبل شركة لها علاقات مع شركة النفط التابعة للدولة. حتى انهم وجدوا عدد من الشقق باسماء اقارب لسياسي يقبع في السجن. كما كشفت دعوى قضائية في احد محاكم ولاية نيفادا في الولايات المتحدة العلاقة بين شركة وهمية ورقية صنعتها شراكة موساك وفونسيكا في بنما لتهريب اموال سرقت من اموال الخزينة في الأرجنتين الى الشركة الوهمية وكان صندوق تحوط أميركي يبحث عن تلك الأموال.

ومن المفارقات المضحكة هو ما قاله السيد فونسيكا أنه الآن مشغول في كتابة رواية تتعلق بصحفي استقصائي يتمتع بخصائل حميدة مثل الأمانة والصدق ويبحث عن الحقيقة وليس له اي اجندات او دوافع كما أن فونسيكا يعمل على تحضير كتاب جديد بعنوان: هل الخصوصية حق من حقوق الانسان المفقودة؟

نهاد اسماعيل
لندن



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات